Archive | classic RSS feed for this section

>شمال أفريقيا بين الممالك الأمازيغية والحكم الروماني

9 Feb

>

موشيم أحمد
تقــــديم:
تميز الوضع السياسي في شمال إفريقيا حتى القرن 3 ق.م بوجود ممالك أمازيغية مستقلة، غير أن التوسع الروماني الذي وصل إلى أرض نوميديا في القرن 3 أخضع هذه الممالك لنفوذه حتى منتصف القرن الثاني الميلادي، ثم استعادت استقلالها بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية… فما هي وضعية هذه الممالك الأمازيغية قبل السيطرة الرومانية عليها؟ وكيف خضعت للإمبراطورية الرومانية بين القرن 3 ق.م و 2 بعد الميلاد؟ ماذا كان مصيرهــا بعد انهيار الإمبريالية؟

الممالك الأمازيغية بين مرحلة الاستقلال والوحدة ومرحلة التبعية لرومــــا:
تأسست بشمال أفريقيا مملكة أمازيغية عند نهاية القرن الأول قبل الميلاد. واستفادت منطقة شمال أفريقيا، وخاصة نوميديا، من الوضع السياسي المتأزم بين الرومان والقرطاجيين حيث تحالفت بعض الممالك الأمازيغية إما مع الطرف الأول (الرومان) أو الطرف الثاني (القرطاجيين). وفي نهاية القرن 2 ق . م تمكن ماسينيسا من توحيد القبائل الأمازيغية من ليبيا الحالية حتى موريطانيا ووضع بذلك أسس الدولة الأمازيغية الموحدة ومنها عيّن عاصمة لحكمه وهي “سيرطا” وإصدار عملة وبناء مجموعة من المرافق ذات الصبغة الدينية والإدارية واتخاذ الأمازيغية شعارا لإفريقا. و في الجانب الاقتصادي اهتم بالفلاحة بالتجارة بين مملكة نوميديا والرومان أو القرطاجيين بعد ما تولى ميسيبسا عند نهاية النصف الأول من القرن 2 ق.م اهتم بدوره بتقوية التجارة. بعده تولى يوغورطا الذي اهتم بالجانب العسكري بغية تحصين الدولة و مقاومة الأهداف الاستعمارية للرومان كما تابع الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها سلفه إلى أن تمكن الرومان من قتله أثناء محاولتهم ضم مملكة نوميديا. وبذلك تدخل المملكة الأمازيغية بشمال أفريقيا عهد الخضوع والتبعية لرومــا.

الخضوع لنفوذ رومــــا:
بعد أن تمكن الرومان من إخضاع مملكة نوميديا في عهد يـوبا الثاني أنشئت عاصمة جنوبية لمملكة روما يستقر بها مجلس يسير شؤون المدينة نيابة عن الدولة المركزية و اهتم يوبا الثاني بكل مقومات الدولة الرومانية في وليلي ومنها الفلاحة حيث جعل الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مصدرا لتزويد روما بالحبوب واهتم بالصناعة وخاصة الصناعة الغذائية وبالجانب العلمي حيث استقطب عددا من العلماء والأطباء و المستكشفين الذين جابوا الشواطئ المحيطية حتى الجزر الكناري، وفي عهد خلفه “بطليموس” تم التوحيد النهائي للقبائل الأمازيغية تحت سلطة روما و صارت الدولة على نهج “يوبا الثاني” وعرفت في عهده تركيز الاقتصاد وظهور مجموعات أمازيغية في فلك الدولة الرومانية تتمتع بتسيير شبه ذاتي تحت حكم الأغالية.

الحكـــــم الرومـــــاني لشمـــــال أفريقــــيا
ـ اعتمد الرومان على القوة العسكرية لتوسعهم في شمال أفريقيا:
بدأ خضوع منطقة شمال أفريقيا لنفوذ الرومان بقضائهم على بقايا القرطاجيين ونفوذهم في المنطقة سنة 146 ق.م وأنشأوا بالمنطقة حصونا تعرف بـ”الليمس” كان دورها عسكريا بالدرجة الأولى حيث تعتبر حصنا متقدما للقوة العسكرية كما كان لها دور اقتصادي متمثلا في مراقبة الطرق التجارية وكونه مركزا للتبادل بين الرومان والقبائل الأمازيغية، وتتمثل الوسيلة الثانية التي اعتمدها الرومان في استماله القبائل الأمازيغية ومنحها بعض الامتيازات كالإعفاء من الضرائب حتى تبقى وفية لهم، وتتمثل الوسيلة الثالثة في وصول بعض الأمازيغيين إلى درجة الحصول على حق المواطنة الرومانية فسخرتهم بذلك لإخماد الثورات التي كانت تقوم بها قبائل أخرى غير موالية للرومان وانتهت هذه الوسائل من تمكن الدولة الإمبراطورية من بسط سيطرتها عند نهاية النصف الأول من القرن 1 م بهيمنتها على موريطانيا الطنجية والقيصرية ونوميديا وكل الممالك الأمازيغية بأفريقيا الشمالية .

– تمتعت الإرستقراطية الرومانية بشمال أفريقيا بامتيازات كثيرة:
تتكون طبقة الارستقراطيين من كبار ملاك الأراضي اللذين كانت المساحات الخاضعة لهم غير محدودة إلى درجة أن عددا قليلا منهم كان يملك كل أراضي شمال أفريقيا يستغلونها بطريقة غير مباشرة بواسطة العبيد بينما تقتصر مهمتهم على المناصب العليا في الدولة والجيش ويعيشون في قصور داخل مضيعاتهم ويعتبر القنص من أهم وسائل التسلية في حياتهم اليومية. وتميزت القصور التي يعيشون بها بطلاآتها المتنوعة الأشكال والألوان والفسيفساء مع و جود حاشية كبيرة تخدمه هو وزوجته، وتعتبر الهدايا التي يتلقاها من صغار الفلاحيين مصدرا مكملا لحياة الترف.

نــــهاية الحكــــــم الرومانـــي بشمـــال أفريقيـــا
استغلت القبائل الأمازيغية ضعف الإمبراطورية في بداية القرن 1 للثورة ضدها:
ـ تجددت مقاومة القبائل الأمازيغية عند بداية القرن الأول الميلادي، وتزعمها فرسان أمازيغ كانوا ضمن الجيش الروماني، ومن أشهرها الثورة التي قادها سنة 17 م تكفاريناس (جندي سابق في الجيش الروماني) ضد القوات الرومانية في نوميديا مستغلا في ذلك الطبيعة الصحراوية للمناطق الموجودة خارج “الليمس”، واستطاع أن يلحق عدة هزائم بالقوات الرومانية, وفي سنة 40 م قامت ثورة أخرى في موريطانيا الطنجية تمكن أثناءها من تسيير المراكز الرومانية، واضطر الإمبراطور إلى إرسال تعزيزات عسكرية لإخماد الثورة و مساعدة توسيع الديانة المسيحية داخل الإمبراطورية واعتناق العديد من الأمازيغ لها واتخاذها أساسا للدعوة إلى نبذ التفرقة واللامساواة والميز بين الطبقات المكونة للمجتمع الروماني، وخاصة بنية الأسياد وغيرهم فأدى ذلك إلى انفصال الكنيسة الأفريقية عن مثيلتها في روما وبذلك بدأت مرحلة الدعوة الدناثية التي شكلت الأساس للكنيسة الأفريقية مقابل الكنيسة الرومانية.

ـ تشكلت في شمال أفريقية و حوض البحر الأبيض المتوسط إمارات مستقلة عن نفوذ روما عند نهاية سنة 40ملادية:
أدت النزعة الاستقلالية للقبائل والكنيسة الأفريقية و كذا الطبقات غير المواطنة داخل الإمبراطورية عند نهاية سنة 40م إلى حركة انفصالية واسعة توجت في أفريقيا لعودة العديد من القبائل إلى وضعها قبل التوسع الروماني بشمال أفريقيا وكون الأرستقراطيين محميات يقومون فيها بدور الدولة المركزية بعد أن انتهى نفوذها في المنطقة، وعند نهاية القرن الرابع يكون نفوذ رومــــــــا قد انحصر نهــــائيا عن المنطقـــــــة.

خـــاتمـــــــة:
استرجعت شمال أفريقيا استقلالها عن النفوذ الروماني عند بداية القرن الخامس الميلادي في شكل إمارات مستقلة لها أنظمتها الخاصة، لكن الونداليين وبعدهم البزنطيين عادوا إلى إخضاع شمال أفريقيا لنفوذهم الخاص حتى سنة 647م حيث بدأ الغزو العربي – الإسلامي لهذه المنطقة.

المصطلحات:
– ماسينيسا: ( 202/148 ق.م ) وهو أحد ملوك نوميديا عمل على توحيد القبائل الأمازيغية القاطنة بين منطقتي طرابلس ـ بليبيا الحالية ـ شرقا …
ـ نوميديا: اسم يطلق وقتئذ على القسم الأوسط من أفريقيا الشمالية والممتد شرقا من الحدود القرطاجية حتى نهر ملوية غربا وتنقسم نوميديا بدورها إلى قسمين: نوميديا الشرقية أو “ماسولة “ ونوميديا الغربية أو “مازيسولة”, يفصل بينهما نهر الشليف الحالي.

تركيب الليمس:
وكان الليسم يقوم بـ 3 أدوار: دور عسكري باعتباره جهازا دفاعيا, و دور اقتصادي باعتباره سوقا للتبادل بين التجار الرومان والأمازيغ تحت رقابة الجيش, ودور ترابي باعتباره يفصل بين مناطق الامتداد الروماني والعالم الأمازيغي المستقل عن الهيمنة الأجنبية

>صورة الفارس الأمازيغي خلال العصر الروماني

24 Jan

>

يعرف الأمازيغ خلال العصر الروماني بعدة اسماء اشهرها المور والنوميد، كما عرف عنهم مهاراتهم في الفروسية:


>يوبا الأول

12 Jan

>

جميل حمداوي
تـمـهـيـد:
يعد يوبا الأول من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية في شمال أفريقيا بصفة عامة ونوميديا بصفة خاصة إلى جانب صيفاقس وفيرمينا وماسينيسا ويوغرطة وتاكفاريناس…وإذا كان ابنه يوبا الثاني قد انتهج المقاربة الثقافية في مقاومة غطرسة الإمبراطورية الرومانية ، فإن الأب يوبا الأول على العكس اختار المقاومة العسكرية سبيلا لمواجهة قياصرة الحكومة الرومانية من أجل إيقاف زحف قواتها الحاشدة المتجهة حيال منطقة تامازغا. وبالتالي، استطاع يوبا الأول أن يدخل في حروب شرسة ضد الغزو اللاتيني من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل والدفاع عن نوميديا باستماتة نادرة
المثال قصد حماية حرية الأمازيغيين الذين كانوا يرفضون بشكل قاطع كل أنواع الذل والعار والخسف والاستعباد. لذلك أظهر يوبا الأول شجاعة كبيرة في مقاومة الغزاة الأعداء والدفاع عن أراضي وساكنة نوميديا إلى أن سقط مكافحا شهيدا ومناضلا شريفا في ساحة المبارزة مع أحد جنود الرومان بعد هزيمته في معركة الحلفاء غير المتكافئة عددا وعدة.

1- من هــو يوبـــا الأول؟
بعد وفاة الجد الأمازيغي الأكبر المقاوم الملحمي يوغرطة قسمت مملكته في نوميديا إلى قسمين:مملكة يتولاها بوگوس الأول، بينما المملكة الثانية يتولى حكمها الملك گودا الذي كان رجلا معتوها ومتخلفا عقليا، فسلم هذا الأخير الحكم لابنه المثقف الملك هيمپسال الثاني الذي ألف مؤلفات كثيرة متنوعة بعضها في وصف أفريقيا، ولقد استفاد في ذلك من مكتبة أسلافه من العلماء الأمازيغيين والفينيقيين والقرطاجنيين واليونانيين ، ونهل الكثير من مكتبة قرطاجنة الزاخرة بالكتب الثمينة ومصنفات المعارف الأدبية والعلمية والفنية ؛ ولكن جميع المؤلفات التي كتبها هيمپسال الثاني ضاعت ولم تصل إلينا.
وبعد وفاة الملك هميپسال الثاني، تولى ابنه يوبا الأول عرش أبيه. ويعني هذا، أن يوبا الأولYuba 1 هو حفيد يوغرطة ، ومن مواليد بونة (عنابة) بنوميديا ( الجزائر)، ومن حكام مملكة مازيلة حيث أسس فيها مملكة أمازيغية عاصمتها زاما. وقد ورث يوبا حكم أبيه هيمپسال الثاني، فحافظ على سياسته وطريقة إدارته وتسيير الحكم وتدبيره حتى مقتله سنة 46 ق.م. ويعتبر يوبا الأول في تاريخ الممالك الأمازيغية آخر ملك نوميدي مستقل، وبعده ستصبح نوميديا مقاطعة مستعمرة تابعة مباشرة للحكومة الرومانية.
ومن باب الفائدة ليس إلا، فإن كلمة” يوبا”أو “جوبا” في مدلولها اللغوي الأمازيغي لاتعني اسما علما أو اسما شخصيا أوعائليا، وإنما يطلقها البربر على العاهل وهو مرادف أگليد ( أجدجيذ بالريفية) أي الملك، ويجمع على إيگليدن وهو في أصل لفظه يعني نفس مدلول الكلمة العربية: الجبة.

2- تطور مقاومة يوبـــا الأول:
عاش يوبا الأول في المرحلة اللاتينية التي تميزت بسيطرة القوات الرومانية على ممالك شمال أفريقيا، واستعداد هذه القوات الإيطالية لاحتلال تمازغا بكاملها من الشرق حتى الغرب ومن الشمال حتى الجنوب، مع إظهار النية السيئة في تطويق الممالك الأمازيغية وتسييجها بخط الليمس لفصل أفريقيا النافعة عن غير النافعة وطرد المقاومين خارج السد الأمني، واستغلال كل ماهو داخل نطاق هذا الخط الأمني لصالح أباطرة روما ومعمري شمال أفريقيا ورجال كنيستها.
وكان لما يقع في روما من فتن وأحداث دامية وما يجري فيها من إحن وصراعات سياسية وعسكرية، وما تعرفه من قلاقل وثورات وانقلابات له أثر كبير وصدى سلبي ينعكس على سياسة شمال أفريقيا وتوجيه سياستها الداخلية والخارجية، ففي أواسط” القرن الأول ق.م شهدت الممالك الأمازيغية …تطورات خطيرة، عكست مدى تبعيتها لروما ووقوعها في فخ سياستها، ذلك أنه بعد موت الدكتاتور سيلا ساد فراغ سياسي في روما نتيجة ضعف مجلس الشيوخ، فبرز ثلاثة زعماء طموحين في الساحة، مما أفضى إلى نزاع بينهم انتهى بسيطرة قيصر على الحكم سنة 48 ق.م. وقد امتدت تأثيرات هذه التطورات إلى شمال أفريقيا، التي كانت دائما أحد ميادين تصفية الحسابات السياسية الرومانية، إذ تحالف الملوك الأمازيغ مع فرقاء الصراع الروماني، مما جر ويلات كثيرة على الدول الأمازيغية.”

وعلى أي، فقد عايش يوبا الأول الحرب الأهلية الإيطالية التي كانت رحاها تدور في شوارع روما خاصة بين القائدين الرومانيين الكبيرين:”يوليوس قيصر”، و”پومبيوس Pompeius ” من أجل الاستيلاء على السلطة. فكان لابد للملوك الأمازيغيين في شمال أفريقيا أن يحددوا ولاءهم لقائد من هذين القائدين، وأن يتحالفوا مع واحد ضد الآخر، وأن يقدموا له كل المساعدات المادية والمعنوية والبشرية والعسكرية حتى يحافظوا على ملكهم في نوميديا، ويستفيدوا من الجوائز والهبات والامتيازات والاستيلاء على ممالك جيرانهم . زد على ذلك، أنه من الواجب أن يدافعوا عن ممالكهم ضد الغزاة مادامت تمازغا على وشك أن تكون في قبضة الرومان ؛ لأن القوات اللاتينية متجمهرة في عدة مراكز حدودية وعسكرية، وقد استنفر القواد حشودها المنظمة في عدة فيالق مدربة على أحدث الأسلحة الحديدية ، ومنظمة أحسن تنظيم عسكري في العالم في تلك الفترة من التاريخ القديم ، ومحصنة بطريقة عتيدة في قلاع و ثغور شمال أفريقيا تراقب كل تحركات الممالك النوميدية والموريتانية بشكل دقيق ومخطط، منتظرة الفرصة السانحة للانقضاض على ملوك نوميديا للتنكيل بهم والإيقاع بهم إما ذلا وأسرا وإما خسفا وهلاكا.
وفي خضم هذه الحرب الأهلية التي نشبت بين هذين القائدين الكبيرين، ارتضى يوبا الأول أن يتحالف مع القائد بومپيوس وصديقه الأمازيغي الملك ماسينيسا الثاني؛ لأنه كان يعرف مسبقا نوايا يوليوس قيصر وأطماعه الخفية والمعلنة في شمال أفريقيا، وطريقته المستبدة في إدارته لمنطقة تامازغا واستعماله للشدة والقسوة في تسييره لممالك هذه المنطقة. لذلك رفض يوبا الأول التحالف مع قيصر الروم لامن قريب ولا من بعيد، بينما الملكان الموريتانيان بوگود الثاني وبوگوس الثاني اختارا التحالف مع يوليوس قيصر طمعا في الامتيازات وخوفا من بطش يوليوس القيصر المتجبر . وكان النصر في الأخير للقيصريين على حساب القائد پومپيوس المنهزم أمام القوات القيصرية المتحالفة مع القوات الأمازيغية العاتية.
وقبل ذلك، لقد ارتضت القوات الرومانية القيصرية النزول السريع بتونس في “رأس بون” سنة 49ق.م ، فحاصرت مدينة “أوتيكا ” التي لم تحرر إلا من قبل الملك يوبا الأول، وقد نال هذا العمل الرائع إعجاب القائد الروماني بومپيوس ورضاه الكبير، فشجعه على مواصلة القتال حتى النفس الأخير. بيد أن القوات القيصرية ستحط ركابها وتنزل عتادها مرة أخرى في شواطئ أفريقيا. وبالتالي، ستحاصر فيالق القيصر قوات يوبا الأول من كل الجهات مدعّمة بالقوات المورية الغربية التي كان يقودها كل من بوگود الثاني وبوگوس الثاني. فاضطر يوبا الأول للتراجع نحو عاصمته زاما، ولكنه لم يرض بالفرار والتراجع، فاختار ميتة شريفة عن طريق المبارزة مع العدو في ساحة القتال والشرف بدلا من أن يؤخذ أسيرا ذليلا إلى روما. وكانت هذه الفترة تسمى في التاريخ القديم بعصر الجمال الذي” ظهرت بوادره خلال المائة سنة التي سبقت التاريخ الميلادي؛ وبالتحديد في سنة 46 ق.م خلال معركة تابسوس (رأس الديماس) ؛ التي دارت بين يوليوس قيصر روما والملك الأمازيغي يوبا الأول؛ الذي تحالف مع خصم سيزار اللدود بومپيي ( پمپايوس). “.

وعليه، فقد اندلعت حرب الحلفاء سنة48 ق.م في شمال أفريقيا، وشاركت فيها قوات يوبا الأول مع قوات پومپيوس وقوات ماسينيسا الثاني، ولكنها انهزمت هزيمة شنعاء أمام التحالف الثلاثي الذي كان يتكون من جيش قيصر وجيش بوگود الثاني وجيش بوگوس الثاني. فتعرضت قوات يوبا للهلاك الفظيع، و لحق مملكته دمار هائل وخراب كبير. وتمكن يوبا الأول من الفرار بعد أن وجد نفسه وحيدا في المعركة مع قلة من جيشه المنهوك من شدة المواجهة الشرسة والمقاومة العتيدة.
وقد نتج عن هذا الموقف التراجيدي الذي يتمثل في الهزيمة والخسران إحساس يوبا الأول بالعزلة عن أسرته وجيشه. فقرر يوبا الانتحار بطريقة غريبة قوامها الإباء والشرف والشجاعة والموت في ساحة الحرب بدلا من الفرار والتراجع عن مبادئه السامية التي كان يؤمن بها ويؤمن بها كل أمازيغي حر وشهم. لذلك، دعا للمبارزة آخر رفيق وجده بجنبه، وهو قائد روماني، فتضاربا إلى أن أردى كل منهما الآخر قتيلا في 46 قبل الميلاد.
ولما توفي يوبا الأول ترك ولدا صغيرا في الخامسة أو السابعة من عمره يسمى يوبا الثاني، فأسره يوليوس قيصر فحمله معه إلى روما ، ثم نشأ الفتى الأمازيغي بعد ذلك في كنف الإمبراطور أغسطس خلف قيصر الذي ساعده على طلب العلم في عدة مدارس ومعاهد رومانية وأجنبية إلى أن صار مثقفا كبيرا يشهد له بالعلم الواسع أعداؤه قبل أصدقائه .
ونظرا لثقافة يوبا الثاني الموسوعية وكفاءته في التسيير الإداري ووفائه وإخلاصه للقيصر الروماني، نصبه أغسطس ملكا على موريتانيا الطنجية وزوجه ملكة سيليني Selené ابنة الإمبراطورة الرومانية كليوباترة المصرية وأنطوان ليبقى حليفا مواليا طائعا للرومان في شمال أفريقيا. فكانت المفارقة ” أن رعايا يوبا الثاني كانوا يقدسونه ويمقتونه في آن واحد”.
وعلى العموم، فبعد انتحار يوبا الأول ، تحولت مملكته نوميديا الشرقية إلى مقاطعة رومانية أطلق عليها أفريقيا الجديدة، بينما كوفئ بوگوس الثاني من قبل القيصر بضم جزء من نوميديا الغربية إلى مملكته، في ذات الوقت خلقت دويلة في قلب نوميديا لتكون حاجزا عسكريا استراتيجيا أعطيت لمغامر عسكري إيطالي يدعى ستيپوس للفصل بين أفريقيا الجديدة ومملكة موريتانيا الشرقية.
هكذا أسفرت التطورات السالفة عن إعادة رسم الخريطة السياسية لإفريقيا الشمالية وفق مصالح روما، وبالتالي، وضعت الأسس لخططها المستقبلية، إذ نجد قيصر يشرع في توطين الفقراء وقدماء الجنود الرومان في ولاية أفريقيا القديمة، الشيء الذي ينم عن إرادته في خلق قاعدة اجتماعية لحكمه الفردي، وهو ما أفضى إلى اغتياله سنة 44ق.م”.

وعلى أي حال، فبهزيمة يوبا الأول في معركة التحالف الأمازيغي –الروماني فقدت نوميديا استقلالها السياسي سنة46 ق.م بعد قرن من ذكرى احتلال قرطاجنة في 146ق.م على أيدي الرومان بتحالف مع قوات ماسينيسا الأول. وبالتالي، فقد دخلت نوميديا بصفة خاصة وأفريقيا الشمالية بصفة عامة بشكل مباشر في ظل الحكم الروماني لتصبح نوميديا مقاطعة تابعة للعاصمة المركزية روما، ليبدأ عهد جديد بعد فترة التمهيد والتوطئة الاستعمارية هو عهد التوطين وإرساء الحكم الروماني إداريا وسياسيا واقتصاديا.
بيد أن الاستقرار في نوميديا لن يكون أمرا سهلا؛ وإنما سيفرز حتما ودوما عدة مقاومات عسكرية وثقافية واجتماعية ستعكر صفو أباطرة الرومان الذين سوف لن ينعموا أبدا بسعادة الانتصار وثمار الاستغلال وزهو السيطرة حتى تنتهي شوكتهم بدخول الوندال والبيزنطيين والفاتحين المسلمين.

3- منجـــزات يوبـــا الأول:
من أهم ما يعرف عن يوبا الأول أنه كان شديد الحقد على قوات الحكومة الرومانية التي كانت تستهدف السيطرة على شمال أفريقيا وإذلال نوميديا وتركيع الأمازيغيين ورومنتهم من أجل استغلال أراضيهم واستنزاف ثرواتهم والاستيلاء على ممالكهم وتخصيصها للمعمرين الإيطاليين لكي يستفيدوا منها . ولكن يوبا الأول لم يرض بهذه السياسة العدوانية التي تكرس الهيمنة الرومانية على حساب حقوق الأمازيغيين الأحرار. لذلك شكل جيشا أمازيغيا عتيدا من المشاة والفرسان ونظمهم بطريقة حديثة مستوحيا في ذلك الطرائق العسكرية الرومانية واليونانية والقرطاجنية في التحصين والمجابهة والمبارزة والهجوم والدفاع، وكل هذا من أجل الاستعداد لكل مواجهة محتملة ضد الرومان. وكان يوبا على علم تام بكل نوايا القياصرة الاستعمارية. فكان يعد دائما كل ما يتوفر عليه من قوة مادية وبشرية لملاقاة القوات الرومانية المتغطرسة في بحر الروم أو ما يسمى أيضا بحوض البحر الأبيض المتوسط خاصة بعد انتصار الرومان على مملكة قرطاجنة وتخريبها بشكل نهائي.
وقد عمل يوبا الأول جاهدا من أجل توحيد نوميديا تحت رايته من أجل خلق مملكة أمازيغية قوية في وسط شمال أفريقيا على غرار مملكة ماسينيسا القوية لا يمكن أن تضعضع من قبل القوات المباغتة لبلاد تامازغا. ويعرف عن يوبا الأول أنه كثير الغيرة على وطنه وساكنة نوميديا وسيادة وطنه ومملكته.

هذا، وقد سك يوبا الأول عملته النقدية الأمازيغية المحلية متأثرا في ذلك بالعملة الرومانية، والدليل على ذلك أن العملة كانت بها كتابات وخطوط لاتينية. كما جعل لمملكته راية خاصة وشعارا خاصا هو البرنس الأحمر الدال على النضال والكفاح والتضحية من أجل الوطن. وكان يمنع الضباط الرومانيين من لبس البرنس الأحمر؛ لأن هذا البرنس شعار الأمازيغيين ، كما أنه كان لباسه الخاص في كل المناسبات الرسمية وغير الرسمية، وكان أيضا شعاره المفضل في الحروب التي كان يخوضها ضد الغزاة الروم.
ومن جهة أخرى، عرفت مملكة يوبا الأول رخاء اقتصاديا كبيرا بفضل الموقع الاستراتيجي الذي كانت تحتله مدينة بونة (عنابة)الساحلية باعتبارها مرفأ تجاريا مهما إلى جانب كونها منطقة فلاحية خصبة ومدينة صناعية غنية بالثروات، تنتعش فيها الزراعات المتوسطية، وفي نفس الوقت يزدهر فيها الصيد البحري وصناعة القوارب والسفن البحرية والحربية.

خاتمــــة:
يتبين لنا – مما سبق ذكره- أن يوبا الأول يعد آخر ملك نوميدي مستقل، وهو من أهم الملوك الأمازيغيين الذين أنجبتهم نوميديا بسبب غيرته على وطنه والرغبة العارمة في توحيد ممالك مازولة ومازيلة تحت راية واحدة. ولم يتحالف يوبا الأول مع الرومان مثل غيره من الملوك من بني جلدته كماسينيسا الأول و يوبا الثاني وبوگود الثاني وبوگوس الثاني من أجل مصالحه وتوسيع سلطاته والحصول على الجوائز والامتيازات على حساب كرامة الشعب الأمازيغي ومبادئه السامية العليا ، بل كان كصيفاقس وتاكفاريناس ويوغرطة همه الوحيد هو بناء تمازغا وتوحيدها وإسعاد ساكنتها مع خوض الحروب ضد الأعداء الرومان الذين كانوا يتربصون به من أجل الإيقاع بحكمه من أجل السيطرة على نوميديا وتوزيع ثرواتها وممتلكاتها على أبناء إيطاليا ورعاع أيبيريا.
ومن ثم، فقد استرخص يوبا الأول حياته في سبيل الحفاظ على الاستقلال وتأمين حرية الوطن واستقرار الشعب النوميدي . لذلك كان ۥيعد كل ما استطاع من قوة مادية وبشرية من أجل مواجهة أباطرة الأطماع وقياصرة الاستغلال والجيوش الرومانية الجبارة التي اعتمدت في توسعاتها على بعض الملوك الأمازيغيين الخونة كبوگود الثاني وبوگوس الثاني.
الهوامش:
– عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال قضاياه وظواهره، دار المعارف ، الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،ط2، 1982،ص:30؛
– محمد بوكبوط: الممالك الأمازيغية في مواجهة التحديات، صفحات من تاريخ الأمازيغ القديم، مركز طارق بن زياد،مطبعة فيديبرانت ، الرباط، ط1،2002م،ص:42-43؛
– بوزياني الدراجي: القبائل الأمازيغية، دار الكتاب العربي، الجزائر، الطبعة الأولى، سبتمبر2003م،ص:45؛
– محمد شفيق:لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، 1989،ص:39؛
– محمد شفيق: نفس المرجع، ص:40 ؛
– محمد بوكبوط: نفس المرجع، ص:43.

>يوبا الثاني ملك الموريين

12 Jan

>

عبداللطيف هسوف – الحوار المتمدن – العدد: 1881

خمسون سنة قبل ميلاد المسيح عليه السلام، كانت بمصر امرأة إغريقية اسمها كليوباترا السابعة. كليوبترا يا سلام، امرأة بعشرة رجال، حكمت مصر سنين ولما تبلغ السابعة عشر من العمر. كليوبترا ابنة بطليموس الثاني عشر، تزوجت أخاها بطليموس الثالث عشر وارتقيا العرش سوياً بمقتضى وصية أبيهما سنة 51 ق.م. لكن الغدر في الناس دفين، ذلك أن بطليمي أنزل أخته كليوبترا الملكة من على عرشها واستفرد بالحكم.

كانت كليوباترا سيدة شجاعة، واسعة الثقافة والأطماع، قوية الإرادة، تجمع إلى جانب جمالها رقة أخاذة وعذوبة في حديثها، وقدرة فائقة على استمالة من تريد اكتسابه. عندما وليت الحكم كانت روما أقوى دول العالم، في حين وصلت مصر إلى حالة كبيرة من الضعف، وكادت منذ فترة قصيرة تصبح ولاية رومانية. لذلك اعتزمت كليوباترا استخدام مواهبها في استغلال الرومان لتحقيق آمالها في بناء إمبراطورية واسعة. والمرأة كيدها عظيم، قالوها أهل زمان. لم تستسلم ولم ترض بالأمر كليوبترا الجميلة. تزوجت جيل سيزار العظيم أمبراطور الرومان حين جاء لزيارة مصر. ولم يدر العام حتى رزقت منه بولد أطل عليها بالسعد والسلوان. أعاد سيزار العظيم لكليوبترا عرش مصر من أخيها وتوعد كل طامع يسعى لهز البنيان بالويل وشر المآل.

مرت الأيام، مات الإمبراطور سيزار العظيم. عشقت كليوبترا قائد جيوشه الجنرال مارك أنطوان الذي أصبح حاكما لشرق الرومان. لكن، قبل أن يتزوج أنطوان كليوبترا، طلق أختا لابن سيزار بالتبني أوكتافيان. هاج غضب أوكتفيان وراح يستعد لمحاربة أنطوان. التقت سفن الجمعين في عرض البحر قرب اليونان، فكانت الغلبة لأكتفيان. هرب بعد ذلك أنطوان وعشيقته كليوبترا السابعة وعادا إلى مصر، وتحديدا إلى الإسكندرية. لكن الجنرال لم يستسغ الهزيمة. وككل القادة الشجعان، بقر بطنه وقطع أحشائه بسيفه ومات بين يدي حبيبة القلب كليوبترا كما لو كان قربان حب ووفاء. لازمت كليوبترا جراح في القلب صعبة الاندمال والنسيان. فكرت أن ليس غير الموت لتخفيف البلوى وتطهير حب كان يلهج به قلبان. ما قيمة الحياة بعد وفاة الحبيب يا للبهتان؟ أدخلت يدها في سفط به حيات تنفث السم ألوان. بدأت تلهج بالمر والألم ولم تسحب يديها حتى كان ما كان. ماتت كليوبترا مسمومة بعد أن فقدت المحب الولهان. لكن قبل الوفاة أنجبت بنتا من القائد أنطوان سمتها كليوبترا سليني. كليوبترا سيليني ثمرة الحب العاصف ستحمل إلى روما بعد نهاية حكم البطالمة بمصر لتتلقى تربية ورعاية داخل القصر، ثم تتزوج بعد حين الأمازيغي جوبا الثاني المتبنى هو الآخر بقصر روما بعد انتحار والده ملك المازيلي جوبا الأول.

شب جوبا الثاني (Juba II) في روما، وتفوق في دراسته، ثم تزوج كليوبترا سليني سليلة ملوك البطالمة. كليوبترا سيليني البنت حبلت من جوبا الثاني وجاءت بولد سماه أبوه بطوليمي على اسم أخواله. أصبح البربري جوبا الثاني، المتشبع بحضارتي الرومان والإغريق والممجد للآلهة الأنثى المصرية إزيس آلهة الأمومة والخصوبة، أصبح ملكا، بأمر من روما، على مناطق المغرب ومناطق من غرب الجزائر. ضربت النقود باسمه وباسم الملكة كليوباترا سيليني. هكذا، وفي حدود العام 25 ق.م، كانت المنطقة الممتدة إلى الغرب تحكم من طرف المدعو جوبا الثاني. اتخد جوبا الثاني من شرشال الشاطئية التي كان قد بناها الفينيقيون عاصمة له سماها سيزاريا تكريما للأمبراطور الروماني سيزار. وفي شمال المغرب بنى قصرا للراحة والاستجمام، قد تكون بقاياه لازالت صامدة حتى الآن في منطقة وليلي.
ازدهرت تجارة البربر مع الشمال الروماني في زمان ملكهم جوبا الثاني وملكتهم كليوبترا سيليني. كان البربر يصدرون نقاعة ملح يحفظ فيها اللحم والسمك والخضروات (تسمى الكاروم)، بالإضافة إلى تصدير الأرجوان، تلك المادة التي تستخرج من بعض الصدفات البحرية وتستعمل لتلوين الأقمشة. وإن عرف الأرجوان من قبل عند الفينيقيين في صور بلبنان وفي قرطاجة بتونس، إلا أن الأرجوان الذي أمر جوبا الثاني باستخرجه من موكادور (مدينة الصويرة المغربية) وجزر الكناري، كانت له مميزات خاصة وجودة عالية. وليس عبثا أن يذكر كتاب كبار، من أمثال الروماني هوراس واللاتيني أوفيد والإغريقي بلين، في كتبهم أرجوان الأمازيغ الموريين المتميز الذي كان يستخرج من سواحل المحيط الأطلسي.

قدم جوبا الثاني خلال ملكه الذي دام 48 سنة، مظاهر عديدة للحضارتين الرومانية واليونانية في إفريقيا الشمالية. ذاق الأمازيغ حلاوة التجارة وتقنية الصناعات اليدوية لحضارات البحر الأبيض المتوسط، وسروا كثيراً بحرث الأراضي وجني المحاصيل المتنوعة. وقد أدى الاستقرار الذي فرضته الإمبراطورية الرومانية في المنطقة إلى تمكن مزارعي إفريقيا الشمالية وصناعها اليدويين من أن يصدروا إلى الأسواق البعيدة الواقعة في أقصى أجزاء الإمبراطورية. وهكذا نعمت بلادهم بالسلام، وحالفهم النجاح والرخاء الاقتصادي بسبب المعاهدات التي عقدوها، والارتباطات الدولية التي حصلوا عليها.
كان البربري في ذاك الزمان قوي شجاع لا يقهره لا إنس ولا حيوان ولا جان. كان يصارع الفيلة والسباع والنمور ووحيدي القرن المنتشرة بكثرة في أرض الخصب جنوب البحر الأخضر. يصطاد منها المئات والمئات، بل قل الآلاف التي كانت تجوب سفوح وجبال وصحاري مغرب ما قبل الميلاد وبعده. يأخذ جلودها وفروها وعاجها ويبيعه في بلاد الرومان حيث يلبسها العارضون في المسارح وفي السيرك الجوال وفي حلبات المصارعة التي كان يحضرها الملوك والملكات.

اهتم جوبا الثاني بكل مقومات الدولة الرومانية في شرشال ووليلي، منها الفلاحة حيث جعل الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مصدرا لتزويد روما بالحبوب، واهتم بالصناعة وخاصة الصناعة الغذائية. وفي الجانب العلمي استقطب عددا من العلماء والأطباء والمستكشفين الذين جابوا الشواطئ المحيطية حتى جزر الكناري. وقد جعل جوبا الثاني عاصمته الرئيسية في شرشرال وعاصمة ثانية في وليلي، وانصرف إلى الفن والتأليف والآداب اليونانية هو وزوجته كليوبترا سيليني بعد أن وطد أسس ملكه التابع لروما. وقد عثر على تمثال رأسي برونزي للملك جوبا الثاني في أنقاض وليلي. ومن أهم الآثار التي خلفها جوبا الثاني للمغرب، مواقع بموكادور وهي جزيرة صغيرة قرب مدينة الصويرة، والتي عرفت ازدهارا مهما إذ كانت تتواجد بها مواقع لاستخراج الصباغة الأرجوانية من أصداف بحرية. وقد دلت الحفريات الأثرية على استيطان جزيرة موكادور خلال الفترة الرومانية إلى حدود القرن الخامس الميلادي. كما تعد منطقة كوطا، جنوب مدينة طنجة، مجمعا صناعيا اختص بتمليح السمك، وهو يتكون من عدة أحواض يصل عمقها إلى مترين. وقد عرف هذا النشاط في عهد الملك جوبا الثاني وابنه بطوليمي تطورا كبيرا أدى إلى ظهور صناعات أخرى كاستخراج مادة الملح. وحين يقل السمك، تتحول أحواض التمليح إلى أحواض لاستخراج مادة التلوين الأرجوانية التي جسدت شهرة جوبا الثاني. كذلك، من المعالم التي تمتاز بها مدينة الليكسوس شمال المغرب والتي يرجع عهدها هي الأخرى الى الملك جوبا الثاني المســـــرح الدائري الذي يعتبر أول ما اكتشف في أمبراطورية موريتانيا الرومانية وكان دوره الترفيه على عمال تمليح السمك في تلك الحقبة، حيث تعتبر ليكسوس من المراكز الأولى في منطقة شمال إفريقيا المتخصصة في صناعة السمك وتصبيره.

في عهد “بطوليمي”، خلف جوبا الثاني، تم التوحيد النهائي للقبائل الأمازيغية تحت سلطة روما. كما عرفت دولته في عهده تركيز الاقتصاد وظهور مجموعات أمازيغية تدور في فلك الدولة الرومانية تتمتع بتسيير شبه مستقل. وفي سنة 40 ميلادية، سيستدرج الروماني كاليكولا الأحمق (Caluculla) ابن خالته بطوليمي أو بطليموس الأمازيغي إلى حضور احتفالات رسمية بمدينة ليون ببلاد الغال حيث أمر باغتياله، لا لسبب إلا لأن بطوليمي كان يرتدي برنسا ملونا بلون الأرجوان المستخرج من شواطئ المغرب الأطلسية. وبموت بطوليمي الأمازيغي الأصل انقرضت المماليك الأمازيغية القديمة لتبدأ فترة الثورات الشعبية وبروز عدد من الزعماء البربر المناهضين للتواجد الروماني بالمغرب الكبير. وهكذا حمل مشعل الثورة ضد الرومان الفارس (Aedemon) لمدة أربع سنوات في محاولة للثأر لملكه بطوليمي المغتال غدرا ببلاد الغال. وستتميز ثورات البربر حينها بعنف أدى إلى هدم مركز تامودا كليا وليكسوس ووليلي جزئيا، ولم تسلم سوى طنجة.

>الملك الموري الأمازيغي سيفاكس

12 Jan

>

ويكيبيديا
ملك أمازيغي رفض بشكل قاطع سياسة الرومنة والاستيطان الروماني والتمدين اللاتيني في كل شبر من أشبار نوميديا. وكان أيضا من الوطنيين الغيورين على وطنهم الذين ضحوا من أجل الأرض وتوحيد نوميديا وجمع شمل الأمازيغيين في مملكة أمازيغية موحدة. ولكن الاحتيال الروماني وتعدد أقنعة حكومة روما هي التي أسقطت مملكة صيفاقس وأمجادها الطموحة في التوسع والوحدة الأمازيغية الشاملة.

من هو صيفاقـس؟
يعد الملك صيفاقس Syphax أو سيفاقس أو سيفاغس أو سفك عند ابن خلدون من الملوك الأمازيغيين الأوائل الذين عملوا على توحيد ساكنة تامازغا إلى جانب الملك ماسينيسا والملك باگا Baga والملك ف فيرمينا. وقد عاش الملك صيفاقس في القرن الثالث قبل الميلاد. وينتمي إلى الأسرة المازيسولية التي كان موطنها نوميديا الغربية. وقد صار ملكا لها، واتخذ سيگا عاصمة له أو ما يسمى الآن في الجزائر بـ عين تموشنت. وهناك مملكة أخرى تقابلها في الشرق تسمى ماسولة التي ينتمي إليها ماسينيسا ويفصلها عن الأولى نهر شليف الحالي، وتمتد في حدودها الترابية حتى قرطاجنة – بتونس. وبتعبير آخر، هناك نوميديا الشرقية أو ماسولة، ونوميديا الغربية أو مازيسولة. وسيدخل صيفاقس في حروب طاحنة مع ملك ماسينيسا الموالي للروم ستنتهي بانتصار ماسينيسا وحلفائه الروم الذين قتلوه سنة 203 قبل الميلاد.

 تــطور مقاومة صيفاقس
اشتدت الحرب البونيقية الثانية (Les guerres puniques) بين الرومان والقرطاجنيين، فحاولت كل من روما وقرطاجنة أن تجذب صيفاقس لصالحها كي يساعدها في حروبها الطويلة الأمد ضد منافستها اللدودة. وتدخل صيفاقس في البداية للصلح بين الطرفين، ولكن الحكومة الرومانية كانت متعنتة في مواقفها المعادية للقرطاجنيين. فمال صيفاقس إلى قرطاجنة وتزوج بالجميلة الفينيقية الحسناء “صوفونيسبا”. وأصبح صيفاقس مواليا للقوات القرطاجنية بعد أن علم بنوايا روما الاستعمارية وأطماعها في شمال أفريقيا. في حين، التجأت الحكومة الرومانية إلى شاب أمازيغي طموح ألا وهو ماسينيسا فأغرته بامتيازات عدة تتمثل في غرامات مالية والسماح له بالتوسع في أراضي القرطاجنيين التي سيحصل عليها بمجرد القضاء على منافسه صيفاقس والتحالف مع الرومان للقضاء على القوات القرطاجنية. وهكذا استطاع ماسينيسا” أن يهزم صيفاقس الماسايسولي؛ ثم مكّن الرومان من الانتصار على أمهر جنرال عرفه التاريخ القديم، ألا وهو حنبعل القرطاجي؛ وذلك في معركة زامّا الشهيرة، سنة202 ق.م. لقد كان سبب بغضه لقرطاجة هو تمسكه بـمبدأ ”أفريقية للأفارقة” ومما أثار حفيظته ضدها بشكل خاص، حسب ما روي، هو تزويج القرطاجيين صيفاقس مخطوبته صوفونيسبا. والواقع أن جيرانه القرطاجنيين كانوا متواطئين مع خصمه الماسولوسي قصد القضاء على ملكه. فلم يجد بدا من محالفة الرومان، مع إضمار غايته القصوى في نفسه، وهي إنشاء مملكة أمازيغية موحدة مستقلة عن كل نفوذ أجنبي، ولاسيما أن اتفاقية الصلح بين روما وقرطاجة (201 ق.م) كانت تنص على أن من حقه أن يعمل من أجل استرجاع جميع الأراضي التي كانت بقبضة أجداده، في غير تحديد لتلك الأراضي.” ومن المعلوم أيضا، أن صيفاقس قد تحالف في البداية مع الرومان إبان الحرب البونيقية الثانية، وكان في نفس الوقت معارضا لگايا ملك نوميديا الشرقية وابنه ماسينيسا المتحالفين مع القرطاجنيين. لكن صيفاقس سيتوسع في مملكة نوميديا الشرقية بعد وفاة ملكها گايا، وسيتحالف مع القرطاجنيين الذين قدّموا إليه يد العون في توسعه الترابي، وزوجوه حسناء قرطاجنة، وهي من أعلى طبقة اجتماعية وهي الفتاة “صوفونيسبا” بنت أزدربال جيسكو قائد قوات قرطاجنة. وهكذا، نجد صيفاقس يدخل في تحالف عسكري مع القرطاجنيين ضد الرومان من أجل أن يحظى برضى عشيقته. وبالتالي، سيخوض صراعا مريرا ضد أخيه الأمازيغي ملك ماسينيسا الذي كان في بداية الأمر مواليا للفينيقيين، ولما رأى تهاون قرطاجنة وعدم مبالاتها تجاه حقه في الولاية على عرش أبيه، خرج عن طاعة قرطاجنة عام158 قبل الميلاد وتحالف مع الحكومة الرومانية وخاصة مع القائد الروماني الأكبر سيپيون الأفريقي لمحاصرة قرطاجنة وتطويق ملك صيفاقس في مملكته مازولة. ولقد استطاع القائد الروماني گايوس لايليوس أن ينتصر على صيفاقس وأن يوقعه أسيرا سنة 203 قبل الميلاد بفضل مساعدة ماسينيسا قرب سيرتا أو ما يسمى حاليا قسنطينة بالجزائر. وۥأرسل صيفاقس بعد ذلك أسيرا إلى عاصمة إيطاليا من قبل الجنرال الروماني كورنيليوس سيپيون الأفريقيحيث مات فيها سنة 202 أو203 قبل الميلاد. وقد تولى الحكم بعد صيفاقس ابنه فيرمينا الذي يعد آخر ملك مازوليسي قبل أن توحد مملكة نوميديا من قبل ماسينيسا.
 إنجازات صيفاقس
من أهم إنجازات الملك الأمازيغي صيفاقس أنه أول من أسس مملكة أمازيغية واسعة وهي مملكة مازيسولة التي كانت توجد في غرب الجزائر وتمتد إلى نهر ملوية غربا وعاصمتها الكبرى هي سيگا، وانتقل صيفاقس من زعيم قبلي إلى ملك يحكم سلطنة أمازيغية شاسعة الأطراف، ثم حمل التاج والصولجان، وضرب العملة باسمه، ونظم الجيش الأمازيغي تنظيما محكما متأثرا في ذلك بالتنظيمين: القرطاجني والروماني. واستعان كذلك بابنه فيرمينا في تسيير الشؤون الحربية والعسكرية. ” ومع أنه تأثر إلى حد بتقاليد اليونان السياسية، كان يعتمد في ممارسة سلطته على مساعدة زعماء القبائل. كانت له علاقات دبلوماسية مع كل من قرطاجة وروما. كانت لغة الحياة اليومية والتخاطب في مملكته هي الأمازيغية، وكانت لغة اسمه هو المقصود فيما كتبه ابن خلدون عن أصل البربر إذ قال إن جدهم هو “سفك”؛ يعزز هذا الفرض أن بلوتارخوس Plutarkhos زعم شيئا من هذا القبيل.” ويعد صيفاقس أيضا من الملوك الأمازيغيين الأوائل الذين سعوا إلى توحيد البربر وجمع شملهم تحت دولة واحدة وهي دولة تامازغا (دولة الأمازيغيين). ويتضح هذا عندما أراد أن يوحد مملكة نوميديا الشرقية مازيلة (مسيلة) ومملكة نوميديا الغربية ألا وهي مازيسولة في إطار دولة أمازيغية كبرى في شمال أفريقيا تمتد من قرطاجنة التونسية شرقا إلى نهر ملوية غربا. هذا، ولم يتحالف صيفاقس مع القرطاجنيين عسكريا ونسبا إلا من أجل محاربة الرومان والوقوف في وجه قواتهم الغازية التي كانت تستهدف إذلال الأمازيغيين وتركيعهم. وكان صيفاقس يرى أن توحيد تامازغا لن يكون إلا على يديه؛ بيد أن سلطانه السياسي سينهار غدرا سنة 203 قبل الميلاد على يد منافسه الأمازيغي ماسينيسا. ويكشف لنا هذا المآل التاريخي التراجيدي صراع الأمازيغيين مع بعضهم البعض، وتطاحنهم حول السلطة وتنافسهم حول الامتيازات والمصالح الشخصية عن طريق التقرب من الرومان من أجل الحصول على الجوائز والهبات والغنائم على حساب التنكيل بقرطاجنة وضرب حضارة الفينيقيين التي أسدت الكثير إلى الحضارة الأمازيغية. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ العربي العربي أكنينح:” يتضح من تاريخ الممالك الأمازيغية، أن علاقة البربر بفينيقيي قرطاجة، لم تكن تتسم بالتصادم والجفاء، كما سيكون عليه الحال في عهد الرومان والوندال والبيزنطيين، فيما بعد. فقد تفاعل سكان شمال إفريقيا مع الفينيقيين، واندمجوا معهم لأنهم كانوا يشعرون أنهم من أصل واحد وتربطهم أكثر من رابطة، لذا تحالفوا معهم ضد روما. وكان صيفاقس رئيس مملكة مازيسولة وزوج صفان بعل ابنة هزدروبال، حليف قرطاجة …هو الوطني الذي ناضل وحارب دفاعا عن إمبراطورية شمال إفريقيا(قرطاجة) ضد الإمبراطورية الغربية عن المنطقة والمتمثلة في روما.” وهكذا نجد القائد الروماني سيپيون يستغل النواميد للقضاء على قرطاجة أولا واحتلال نوميديا ثانيا عن طريق ضرب ملكين ببعضهما البعض ملك صيفاقس وملك ماسينيسا وجرهما إلى الصراع البونيقي والصراع المحتدم بين الرومان والقرطاجنيين. لذلك كان مسينيسا شخصية مفضلة بلا ريب في كتابات المؤرخين الرومان؛ لكونه ساعد كثيرا القوات الرومانية على دك كل معاقل القوات القرطاجنية. بيد أن الرومان سينقلبون ضده ويوزعون تركته بين أولاده الثلاث. وفي هذا الصدد يقول عبد الله العروي:” ثم يحتد الصراع بين روما وقرطاج أثناء الحربين البونيقيتين الأولى والثانية ويجتاز شيبو(سيپيون) إلى أفريقيا مبحرا من الجزيرة الأيبيرية قصد إيجاد حلفاء بربر ضد أعدائه. فينتهزها المؤرخون فرصة ثالثة ويقدمون لنا الجماعات المقيمة غرب التراب القرطاجي والتي كانت تسمى كلها آنذاك بالنواميد وتنقسم إلى قسمين: المسيلة شرقا والمزسيلة غربا. تتلخص أخبار تلك الحقبة في سيرتي رجلين، يمثل كل واحد منهما إحدى الجماعتين البربريتين: ماسينيسا الزعيم المسيلي وصيفاقس الزعيم المزسيلي. يسوق المؤرخون القدامى أخبارا طويلة حول ماسينيسا، جاعلين منه بطل مغامرات شيقة، ليست في الواقع سوى انعكاسات لسياسة روما في المغرب، بل يرويها پوليپ، المؤرخ اليوناني، ضمن تاريخ عائلة شيبو(سيپيون) التي يعترف بالولاء لها الزعيم الناميدي والمؤرخ اليوناني معا. قد يتنازع المؤرخون إلى ما لانهاية حول السؤال التالي: هل استغلت روما ماسينيسا للقضاء على قرطاج أم بالعكس استخدم ماسينيسا روما لبناء دولة ناميدية قوية بقصد توحيد شمال أفريقيا بعد استيعاب الحضارة البونيقية؟ لكن الأمر المحقق هو أن كل المبادرات كانت بيد مشيخة روما، بعد انتهاء الحرب البونيقية الثالثة سنة 202 قبل الميلاد. كان الرومان يستطيعون في أي وقت توقيف أي حركة يشمون فيها خطرا على مصلحتهم.” وعليه، فقد أوشك صيفاقس أن يؤسس دولة أمازيغية كبرى تمتد شرقا وغربا، وتستطيع أن تقف في وجه القوات الرومانية المتوحشة لولا ماسينيسا الذي خيب طموحات صيفاقس السياسية والعسكرية حيث أدخله في حروب استنزافية أدت بصيفاقس إلى مقتله في العاصمة الرومانية غدرا وخيانة.
نتائج ثورة صيفاقس
من أهم النتائج التي ترتبت عن مقاومة صيفاقس الرغبة الأكيدة والطموحة في توحيد الأمازيغيين وتنظيم مملكة مازيسولة وتوسيع نوميديا، ولكن هذا الطموح لم يتحقق ميدانيا بسبب تحالف ماسينيسا ملك ماسولة مع قائد القوات الرومانية سيپيون للتنكيل بالقرطاجنيين والقضاء نهائيا على أحفاد الفينيقيين في قرطاجنة. ولكن الرومان تعاملوا مع قضية شمال أفريقيا بكل ذكاء واستطاعت أن ۥتدخل الإخوة الأمازيغيين في حرب قرطاجنة الضروس، لاناقة لهم فيها ولاجمل. وتمكن الرومان بعد ذلك من التخلص من صيفاقس أولا، والملك ماسينيسا ثانيا عندما أحسوا بنواياه التوسعية على حساب أراضي القرطاجنيين الذين كانوا حسب ما يقوله ماسينيسا:” أجانب في بلادنا، فقد استولوا غصبا على أملاك أجدادنا، ولذلك يجب أن نسترد منهم بجميع الوسائل ما انتزعوه منا بالقوة”. وإذا كان ماسينيسا قد استنزف قوة صيفاقس وأضعفها ميدانيا وعسكريا وتوسع في مملكته وعاصمته لحساب الروم، فإن الرومان استطاعوا أن يحتالوا عليه وأن يوقفوا توسعه أيضا في شمال إفريقيا، لذا لم يكن تدخل القوات الرومانية في قرطاجنة ما بين 149ق.م و146ق.م إلا لضرب مملكة ماسينيسا ومنع هذا المقاوم من” السيطرة على المدينة (قرطاجنة)، ومن ثم إجهاض تطور كان يتجه نحو بروز دولة أمازيغية نوميدية لها وزنها في غرب المتوسط. يؤكد ذلك أن روما أدركت خطورة نمو هذه الدولة، فأصبح التدخل في شؤونها ومراقبتها أحد مشاغل الساسة الرومان. ففي سنة 148ق.م توفي ماسينيسا تاركا مملكة شاسعة الأطراف ومنظمة لأبنائه الثلاثة، فتقاسموا السلط فيما بينهم، إذ تولى أكبرهم مسيبسا السلطة الإدارية، وتكلف مستنبعل بالشؤون القضائية، بينما اهتم غولوسن بالشؤون العسكرية. والجدير بالملاحظة أن عملية توزيع السلط تمت بحضور سيپيون الإيميلي، قائد الجيوش الرومانية لمحاصرة قرطاج، مما يدل على إرادة روما في فرض وصايتها على الأمراء، ويظهر ذلك بجلاء في استعانتها بإمكانيات الدولة النوميدية العسكرية، بإسهام جيشها بقيادة الأمير غولوسن في تحطيم قرطاج”. ويتبين لنا من كل هذا أن الحكومة الرومانية لم تقض على القوات الفينيقية والقرطاجنية في شمال أفريقيا إلا بالقوات الأمازيغية القوية الشرسة، إذ كانت تضعها في مقدمة المواجهة وفي الصفوف الأولى من الفيالق العسكرية لكي يصفو الجو للقوات الرومانية لتتدخل في الوقت المناسب وخاصة حينما يضعف الفريقان المتناحران في ساحة المعركة. وهذه السياسة البشعة الرومانية ماتزال تطبق من قبل ساسة الغرب إلى يومنا هذا في العالم العربي والإسلامي بكل دهاء وذكاء. وهذا ما وقع بالفعل عسكريا، فحينما أحست القيادة الرومانية بضعف القوتين القرطاجنية والأمازيغية، تدخلت في الوقت الملائم للقضاء على مملكة قرطاجنة والقضاء على كل الممالك الأمازيغية المناهضة للحكم الروماني. ومن هنا، نسجل بكل صراحة وموضوعية تاريخية أن الحسد والصراع حول السلطة والتناحر حول الامتيازات المادية والمعنوية والتهافت وراء بريق ولمعان المصالح الشخصية من الأسباب التي أودت بمملكة تامازغا، وجعلتها طوال تاريخها فريسة سهلة للتكالب الأجنبي: القرطاجني والروماني والوندالي والبيزنطي، وأرضا قابلة للنهب والاغتصاب من قبل الدول الإمبريالية الحديثة: الإيطالية والفرنسية والإسبانية. وفي الأخير، يمكن أن ۥنحمل الملك الأمازيغي ماسينيسا المسؤولية الأولى في إدخال القوات الأجنبية الرومانية إلى شمال أفريقيا بعد أن مهد لها الطريق وعبد لها السبل للقضاء على أكبر قوة منافسة للرومان ألا وهي دولة قرطاجنة، والدليل على ذلك ما أظهره الجنرال القرطاجني المناضل الوطني حنبعل من شجاعة وقوة في محاصرة الرومان في عقر دارهم. ولكن ماسينيسا الذي كان يبحث عن مصالحه الشخصية لم يفهم سياسة الرومان أو يقدرها جيدا، ولم يكن ذكيا فعلا كما كنا نعتقد ذلك في بعض حلقاتنا التي خصصناها للملك ماسينيسا؛ لأنه كان السبب المباشر لتعجيل تدخل القوات الرومانية في تونس القرطاجنية لتخريبها وبناء قاعدة عسكرية فيها، وتقسيم مملكة ماسينيسا الموحدة بين الأولاد الثلاثة. ومن هنا، فصيفاقس مات شهيدا وفيا للمقاومة الأمازيغية وحارب مع القرطاجنيين ضد الشرف الأفريقي، على عكس ماسينيسا الذي ضحى بالقوة الأمازيغية من أجل إرضاء حلفائه الرومان الذين خدعوه سياسيا وعسكريا ووضعوا حدا لمقاومته الصاعدة على حساب جيرانه القرطاجنيين الذين لم يكونوا أعداء بالدرجة التي كان عليها الرومان المتوحشون. ومن هنا، فتاريخ الأمازيغيين كان في الحقيقة تاريخ الخيانات والتحالفات البراگماتية الواهمة والواهية، والتي كانت كلها لصالح الحكومة الرومانية. ولم يستفد الأمازيغيون من تاريخهم إلى يومنا هذا، فالتاريخ دائما يعيد نفسه ويكرر أحداثه في صور مختلفة، ولكن ليس هناك من يستفيد أو يعتبر أو يتعظ. وما زال الغرب يتعامل مع الدول العربية الإسلامية بنفس الطريقة التي كانت تتعامل بها الحكومة الرومانية مع الممالك الأمازيغية في القرون الميلادية الأولى. ونستحضر في هذا المجال قولة دالة وصائبة وموحية للأستاذ محمد شفيق:” فبينما كانت كل مملكة من هذه الممالك الثلاث(مملكة ماسينيسا ومملكة صيفاقس ومملكة باگا) تحاول جمع الشمل في المنطقة الخاضعة لنفوذها، كانت الحروب تتوالى بين روما وقرطاجة، فنتج من ذلك أن كلا الطرفين المتحاربين صار يغري الأمازيغيين بالتحالف معه، ويستغل التنافس الذي يطبع علاقات الملوك بعضهم ببعض. وفي أثناء الحرب البونية الثانية استطاعت روما، بفضل معرفتها لمعطيات المجال السياسي الأفريقي، أن تكسب صداقة أشد الملوك حنقا على قرطاجة، وهو ماسينيسا، وأن تتحالف معه. فكانت تلك المحالفة هي الثلمة الأولى التي تسربت منها الهيمنة السياسية الرومانية، شيئا فشيئا إلى مراكز الحكم في أقطار المغرب كلها؛ ذلك أن روما اتخذت جميع أساليب الترغيب والترهيب منهجية لها لإغراء الملوك الأمازيغيين بعضهم ببعض، في مرحلة أولى، ثم أزالت القناع عن وجهها في مرحلة ثانية وحاربت كل من امتنع أن يكون عميلا لها، واستمرت على تلك الخطة ما يقرب من قرنين، موسعة نطاق سيطرتها في اتجاه الغرب إلى أن قضت على الممالك كلها؛ ولم تبق بصورة شكلية، إلا على عرش موريتانيا. فأجلست عليه الأمير الأمازيغي الشاب يوبا بن يوبا الذي كانت قد أسرته، وهو صبي، بعد التخلص من أبيه. فظل يوبا لها عميلا إلى أن توفي. فسار ابنه بطليموس على نهجه، إلى أن استدرجه ابن خالته، الإمبراطور الروماني كاليگولا إلى حضور احتفالات رسمية بمدينة ليون الغالية، حيث أمر باغتياله سنة 40م. وبموته انقرضت الممالك الأمازيغية القديمة.” وعلى أي، فبعد وفاة الملك المناضل صيفاقس، تولى ابنه فيرمينا وراثة الحكم وتابع مسيرة أبيه السياسية والعسكرية والإدارية والاقتصادية في تسيير مملكة أبيه وإدارتها، وعاش بعد أبيه بضع سنوات، والدليل على حكم فيرمينا بعد أبيه هو عثور علماء الحفريات والمؤرخين على عملة فضية تحمل اسمه. ومن أهم نتائج ثورة صيفاقس اندلاع ثورات أمازيغية مضادة للرومان اتخذت صبغة عسكرية كمقاومة يوغرطة ومقاومة تاكفاريناس ومقاومة أيديمون، وصبغة دينية كمقاومة دوناتوس، وصبغة اجتماعية كمقاومة الدوارين الفقراء.
 الهوامش المراجع
– محمد شفيق : لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، 1989م،35؛
– محمد شفيق : لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، 1989م،33؛
– العربي أكنينح : في المسألة الأمازيغية، أصول المغاربة، مطبعة آنفو برانت، فاس، الطبعة الأولى، 2003م، ص:18؛
– عبد الله العروي : مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الدار
– أحمد صفر : مدينة المغرب العربي في التاريخ، ج 1، تونس، 1959م، ص:88؛
– محمد بوكبوط : الممالك الأمازيغية في مواجهة التحديات، صفحات من تاريخ الأمازيغ القديم، مركز طارق بن زياد، الطبعة الأولى، أكتوبر سنة2002م، ص:38؛
– محمد شفيق : لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، 1989م،30-31.

>قراءة في كتاب "مجمل تاريخ المغرب" 1/2

18 Dec

>

– 1 بين قرطاج وروما:

يعتبر الأستاذ عبدالله العروي من أعمدة الفكر المغربي، فهو المفكر السياسي والفيلسوف والمفكر الأسلامي والأديب والمؤرخ. إلا أن ما يهمني هنا هو المؤرخ على ضوء كتابه “مجمل تاريخ المغرب”.

يموقع الكتاب فصوله بين ما سماه عهد التبعية إلى نصف القرن الثامن الميلادي، الذي اعتبره عهد الاستقلال وانتهاء عهد التبعية. والمقصود بالمغرب هو المغرب الكبير أو شمال افريقيا غرب مصر. ولا يخفى على القارئ أن هذه الرقعة كانت أرض الأمازيغ. والمغاربة هم سكان المغرب الذين طبعوا تاريخ هذه المنطقة. اذ أقصى المؤلف مصطلح أرض البربرلأنه مشحون “بدلالة سياسية إن لم تكن عرقية”، غير أن هذا لا يغير حقيقة أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للمغرب المعروف منذ فجر التاريخ. وهذا ما يحيلنا على قضية اسم الليبيين.  فالمؤرخين ينفرون من تعويضه باسم البربر أو الأمازيغ، حتى تولد انطباع أن هناك اختلاف بين الليبيين القدماء والأمازيغ، علما أن المقصود بالليبيين هم أجداد الأمازيغ المتواجدين بين مصر القديمة والمحيط الأطلسي، وبين البحر الأبيض المتوسط وأرض الأيثيوبيين جنوبا، ولربما يحسب بعض الأثيوبيين (الأفارقة الأصليين دون الليبيين) على الأمازيغ.

تغافل الكتاب في محاولته التطرق لقضايا شائكة عن جانب مهم من تاريخ الأمازيغ أو المغاربة كما يسميهم، حينما أغفل عن المعطيات الفرعونية والسجلات الصحراوية، لأنني اعتقد أنه يصعب فهم تاريخ الأمازيغ دون العودة إلى رسومات الصحراء الكبرى، وسجلات مصر الفرعونية.

نطاقات المغرب القديم:
يستاء المؤلف من النظرة النمطية في تأريخ الغرب للمغرب، لأنها تسقط حقب أوروبا على المغرب، فالغرب يقسم نطاقات تاريخه إلى ثلاث: قديم ينتهي بالفتوحات الجرمانية، ووسيط تحده النهضة وحديث معاصر، أما المغاربة فيماثلون تلك الحقب بالفتح الأسلامي، ثم الفتح العثماني ثم الغزو الفرنسي على التوالي، أما الأجانب فيقسمون نطاقاته إلى عهد روما، وعهد العرب ثم عهد فرنسا تباعا. والمؤلف يشبه هذا التقسيم بالجنة والخطيئة والغفران (قصة آدم)، ويدعو لتجاهله. ويقترح التأريخ للسيرورة التاريخية في ظل غياب البديل.

هذا ما يتعلق بالنطاقات الزمنية، أما التقسيم المكاني فيتجلى في مغرب صحراوي مطبوع بالبداوة، ناقش المؤلف خلاله علاقة الصحراء بالمغرب وعن علاقة المغاربة بالأثيوبيين (السود)، وهو المغرب الحر الخارج عن سيطرة الأجانب، لكنها حرية تعني الخروج من (كتب) التاريخ، وذلك تحت ضغط المحتل مقهورين لا مختارين.

أما النطاق الثاني فهو مغرب الوسط وهو نطاق المغرب المستقل قبل دخول روما المعترك واخضاعها له. فهو إذن النطاق الجغرافي الكائن بين مغرب قرطاج البونية والصحراء. في حين يسمي الكاتب النطاق الثالث بالمغرب المفتوح الخاضع، وهو النطاق الذي احتفظت به روما ثم ورثه الوندال ثم البيزنطيون ثم العرب.
غير أن الملاحظ في هذا المشهد هو غياب النفوذ البوني وسيطرتها على المغرب خلال هذا التقسيم. فأقدم خضوع للمغرب هو خضوعه لقرطاج البونيقية، غير أنه خضوع مبهم، خضوع رآه الغرب على أنه علاقة السيد بالمسود، تعتمد فيه قرطاج على جيش من العبيد المغاربة الذين لا دور لهم سوى خدمة أسيادهم الفينيقيين. وتمتد هذه النظرة في روايات الغرب إلى اعتبار المغرب عالة على حضارة قرطاج التي علمتهم الزراعة والتعدين والكتابة والمدنية. وقد تطرق المؤلف لهذه النظرة منبها لانسياق المغاربة وراء هذه النمطية حيث يذكر أن الحضارة “البربرية” كانت تنسب للفينيقيين، غير أن هذه “العادة السيئة” بدأت تتوارى مع تقدم البحوث حتى علق ستيفان غزيل كاتبا أن المغاربة لم ينتظروا قدوم البحارة السوريين (أصل الفينيقيين) لتعلم الزراعة وتدجين المواشي. غير أنه تساءل -غزيل- هل توصلوا لذلك بأنفسهم أو بتأثير أجنبي؟ “هذا ما نجهله”.
والأجنبي الذي ربط علاقات مع أجداد الأمازيغ هم شعوب البحر حيث تزعم الليبو هجوما قويا بتحالف معها على مصر الفرعونية، إلا أنه فشل في أهدافه، ويتحدث المصريون عن اجداد الأمازيغ عن اغتنام مئات الآلاف من المواشي وذهب القائد والسيوف الطويلة التي يبدو أنها ادهشت المصريين. غير أنه يقال أن زعامة الأمازيغ لهذا الحلف نسب للمعرفة الجغرافية، أما سيوفهم فاعتبرت مستوردة من شعوب البحر، أما المصريون فاعتبروا الهجوم لجوء اقتصاديا هربا من القحط والجفاف، وهو ما يتنافى مع الأعداد الضخمة من المواشي المغتنمة حسب المصريين. ومهما كانت النتيجة، لم يتمكن المصريون من إيقاف الزحف الليبي (الأمازيغي)، وتمكنهم -الأمازيغ- من اعتلاء العرش الفرعوني بطرق سلمية. وهنا لا يفوتتا التذكير أن الاعتماد على مصادر أحادية -مصرية في هذه الحالة- يؤدي لاستنتاجات غير آمنة، فالسجلات المصرية التي تتحدث عن انتصارات مدوية قد تخفي هزائم مدوية وهو ما حصل في معركة قادش ضد الحيثيثيين الذين انتصروا على رمسيس الثاني، الذي عاد أدراجه لمصر ليخلد انتصارات زائفة.

فعن المعادن يذكر الأستاذ عبدالله العروي أنه يُعترف اليوم بأن “البربر” استعملوا منذ زمن بعيد قبل وصول الفينيقيين آلات حجرية صقيلة ونحاسية لكنهم رأوا أنهم أخذوها عن تجار أو غزاة. وبالرغم من اكتشاف رسومات ضخرية لعربات تسبق الوجود الفينيقي ب”آلاف” السنين، وهو ما يستوجب استخدام المعادن، إلا أن رأي المؤرخين الاستعماريين لم يتغير.

أما المؤرخ المغاربي فاعتبر أن المغرب مجال تجاذب بين الغرب والشرق ينتفي فيه الوجود الفاعل للأمازيغ، فاختار الشرق البونيقي خاصة أهل تونس، ففيما يرى غابرييل كامس أن نفوذ قرطاج خارج المركز كان شكليا اعتبر الحبيب بولعراس أنه تصريح مشكوك فيه وأن نفوذى البونيين كان قويا في محيطها، قبل أن بتطرق لتبرئة قرطاج من طقوس تقديم الأطفال كقرابين. أما التابعون لهذه النظرة فيتحسرون على زوال قرطاج، ويعتبرون ماسينيسا خائنا لأسياده الفينيقيين، وأصحاب هذه النظرة السلبية تجاه تاريخ الأمازيغ هم مستعربون يؤمنون بأن البونيقيين كانوا عربا وبالتالي تنصيب أنفسهم ورثة لحضارتها.

وفيما يُشكل المؤرخ الفرنسي ‘الاستعماري’ هاجس المؤَلف خلال تغطيته لتطور المغرب خلال ‘عهد التبعية’، تورع المؤلِّف عن الخوض في نظرة المغاربي المستعرب -الذي يشكل أغلبية سكان المغرب- لتاريخ الأمازيغ. فهو ينتقد المؤرخ الفرنسي الذي يقترح أصلا أوروبيا دون أن يتبنى أي نقد للمؤرخ العربي (أو بالأحرى المستعرب) الذي لا يرى في الأمازيغ إلا عربا قدماء. ولعله قد تغاضى عن ذلك لكون المعطى سيكون مشحونا بل مكهربا بحمولة سياسية تعطي للكتاب وجهة اصطدامية لا تأريخية. إلا أن هذا الانتقاء يتنافى ودعوته لإعادة قراءة (كتابة) تاريخ المغرب. فما الفائدة في تقزيم دور روما التي عمرت بالمغرب ما يناهز ستة قرون، في حين يشرع المناخ السياسي والديني تقزيم تاريخ المغرب أمام ما يناهز قرنا من الحروب الطاحنة بين العرب الأمويين (المحتل أو الفاتح الجديد) والخوارج الأمازيغ لينتهي باستقلال سياسي وخضوع روحي. فتطور الكتابة التاريخية، سيبقى معلقا على التطور الفكري للمغاربة، فما دام التاريخ يسخر لأهداف سياسية تسمى مواضيع تخدم وحدة الأمة، أو لطغبان تيار ديني ينزه الفاتحين أو المحتلين المسلمين عن القراءة التاريخية، أو لتيار قومي عربي، ينظر إلى التاريخ كأمجاد على أرض المغرب معتبرا ما لا يروقه نشازا عن الاجماع وخدمة لأهداف غير معلن عنها وائدا أي استعداد للتنازل عن الصورة المروجة عبر قنوات تلفزية أو مدرسية أو ثقافية مسيسة، سيبقى التاريخ دردشة ثقافية انتقائية منغلقة ومنعزلة في أجواء اقليمية، تعزف عن مجاراة أساليب البحث وأدواته العصرية في تنافر بين التأريخ كعلم يصبو للتجرد، وبين تاريخ فرض عليه أن يكونا خادما لأهداف ذاتية وقطرية.

>شجرة عائلة المملكة الأمازيغية نوميديا

2 Dec

>

>الملك الأمازيغي الذي استقبل الأميرة الفينيقية "ديدون"

24 Nov

>يارباس هو أحد الملوك الأمازيغ الذين سكنوا شمال أفريقيا منذ أقدم العصور. يارباس كان أيضا راهبا للغاتيليين، والغاتيليين هم أحد القبائل الأمازيغية ولقد ذكر الأديب الشهير أبوليوس المداوري بأنه غاتيلي نوميدي. ويبدو أن هذا الملك قد جعل من نفسه ابنا للآلهة بحيث يعتبر ابنا لجوبيتر آمون كما تروي الأسطورة، وتجدر الإشارة إلى أن كثيرا من القادة اعتبروا أنفسهم أبناء للآلهة وأشهرهم الإسكندر الأكبر الذي اعتبر نفسه ابنا للأله زوس بعدما باركه كهنة آمون الأمازيغي. وتروي الأسطورة أن الملك يارباس قام بتشييد مائة معبد رائع لأبيه. وكان يشعل فيها النيران تكريما لـ جوبيتر.

في الأسطورة
ذكر الشاعر الروماني فيرخيليوس أن هذا الملك الأمازيغي الشمال أفريقي حاول أن يفرض نفسه زوجا على الأميرة ديدو. وتجدر الإشارة إلى ديدو هي أميرة فينيقية الأصل هربت إلى شمال أفريقيا أو تامزغا بشكل أدق. وتروي الأسطورة وبعض المؤرخين أن التقاء الأميرة الفينيقية بالملك الأمازيغي كان بابتسامة من الأميرة الفينيقية ديدو.

>أصل سبارتاكوس حسب الترجمة لنص بلوتارك

31 Jan

>


هذا نص الدكتور عبدالسلام زيان الذي يبدو أنه (كان؟) ببلجيكا لدراسة اللغة الفينيقية (حسب قولة على النت):

حسب ما قاله القدامى سبارتاكوس مغاربي ولا نعرف حسب جغرافية زمننا هذا ، هل كان جزائري، تونسي، مغربي، ليبي أو موريتاني . أي دولة تريد ان تحتضنه تستحق التقدير لأنه رمز من الرموز التي لعبت دورا كبيرا في التاريخ الإنساني وأخذته الطبقة المسحوقة كرمز ومثال يقتادون به ، وصلبوه من أجل حرية الآخر .
إحيائه سيثبت لنا أن أهل المشرق رفضوا العبودية ودافعوا عن كرامتهم وحريتهم في الأزمنة الغابرة ( أما الآن هناك من يتصارعون عن المرتبة الأولى على لقب العبد المطيع ) ، لكن لا يمكن لأي دولة ان تستغله للرفع من شأن قبيلتها فقط . سبارتاكوس مغاربي ويمكن لأي قرية بكل شمال افريقيا أن تدعي بأنه ينتمي إليها .

مادام التعصب القبلي الأعمى طغى على بعض الذين يحسنون الكتابة والخطابة فلننظر الى سبارتاكوس بعيون التاريخ وكما سنرى لا يمكن لنا أن نحدد هل كان فينيقي أو بربري .

احترموا يا سيداتي وسادتي سبارتاكوس ولا تستغلوه في صراعاتكم القبلية البدائية.

وهذا ما قاله القدامى :
Plutarchos بلوتارخ – بلوتارك (1)
شهرت ثورة العبيد ونهب إيطاليا بحرب سبارتاكوس . هذا هو مصدرهم ، كان هناك شخص اسمه Lentulus Baliatus يحتفظ بمدينة Capoue بعدد من المصارعين وأكثرهم كانوا غوليون أو من تراقيا .

هؤلاء المصارعين رأوا أنفسهم مسجونين رغم أنفهم بالقوة وليس من أجل جرائم ارتكبوها لكن من أجل ظلم وجور سيدهم الذي اشتراهم والذي يستعملهم للمصارعة من أجل الحصول على الثروة فقط ….
سبارتاكوس من دولة Thrace ، لكن من عرق نوميدي ، فخور ، جريء ، جسمه قوي يتحمل كل أنواع الأعمال ، وفي نفس الوقت فطن ولطيف أكثر بكثير من حظه ، وإنساني جدا ( هنا يقول الكاتب المتعصب لليونان بأن سبارتاكوس جدير بان يكون يوناني وهذا يعني بالنسبة له ان اليونانيين فقط هم الإنسانيين والبقية شعوب متوحشة وهمج والمترجمون الغربيون غيروا كلمة أكثر يونانيا بإنساني ) ، ومهذب جدا ومن الصعب ان ينتمي إلى الهمج .

وعندما كان على أرض المعركة أتوا له بحصانه فقال ( ص 528):
” لو أفوز بالنصر سأجد خيولا أحسن عند العدو، وان هزمت لن أكون في حاجة له ”

أما ديودور Diodorus يقول (2) : ( كل الغربيين يقولون من الصعب جدا ان يفهم الشخص الطريقة التي استعملها ديودور لكي يمجد سبارتاكوس )
سبارتاكوس الذي اشتهر بأنه متوحش ، أظهر امتنانه لمن قدم له الخيرات لأن الامتنان فضيلة علمتها الطبيعة حتى إلى الهمج . ….

وفلوروس Florus يقول (3)
سبارتاكوس مع حوالي على أكثر تقدير سبعون من أمثاله هدموا القلعة التي كانوا يتدربون بها وهربوا من Capoue وطلبوا من العبيد ان يدخلوا تحت رايتهم وفي فترة وجيزة من الزمن جمعوا حوالي عشرة آلاف من العبيد . لم يقتنعوا بتقطيع السلال فقط بل قرروا بان يحتفظوا بحريتهم مهما كان الثمن….

…. الخ من الكتاب الذين كتبوا عنه في كل الأزمنة

لننظر إلى الاسم Spartacus :

ب Thrace كانت هناك مدينة اسمها Spartacus (4) وذكر هذا أتيان البزنطي Etienne de Byzance واحتمال ان سبارتاكوس نشأ هناك ، ونرى إلى يومنا هذا مازلنا نربط بعض الأحيان الشخص باسم دولته أو باسم قريته حيث نقول : المرّوكي ، الدّزيري ، الطرابلسي ، .. إلخ وعندما نتكلم على المستوى المحلي نقول : الكافي ، الجريدي ، الساحلي …. الخ

ولننظر إلى Thrace :

بهذه المنطقة كان للفينيقيين حضور قوي حيث كانت لهم مناجم للذهب المعروفة باسم مناجم قدموس (5) وفدموس قضى بها فترة من حياته (6)

لا يوجد أي شك بأن سبارتاكوس أصيل شمال إفريقيا ، لكن لا نعرف هل هو قرطاجني من الذين هاجروا إلى Thrace أو من أصل بربري وهاجر هناك . وأصله يفقد معناه، إنه إنسان حارب الاستغلال البشع وضحى بحياته من أجل الإنسان .

انتصر هؤلاء الأحرار في البداية على أكبر جنرالات إمبراطورية كاملة في عز شبابها بجيشها العرمرم وفي عقر دارها وبأسلحة بدائية وعزيمة من حديد ودفعوا في الأخير ثمنا باهظا ، و Crassus الجبان الذي لم يتجرأ يأن يهاجمهم خوفا من الهزيمة حاصرهم ومات أكثرهم نتيجة الأوبئة والجوع وما بقي منهم وقعوا تحت أيادي سفاك الدماء Pompee الذي قطعهم إربا إربا لينال شهرة بروما ويربح نقاط سياسية على حساب Crassus ويدعي بأنه هو الذي قضى على جذور الثوار وليس هذا الأخير .

فلا تستغلوا أسماء أموات ضحوا بحياتهم من أجل كرامة الفرد لتخدموا مسرحياتكم السياسية القصيرة المدى.



الكاتب يقول أنه مغاربي ولكن لا يعرف إن كان بربريا (وكان الأحرى أن يقول “أمازيغيا”, لولا أمر في نفس يعقوب”) أو فينيقيا. وله مقال آخر ذم فيه المدرسة “البربرية” لأنها نسبت القديس أوغسطين للعرق البربري, لأن أوغسطين كان فينيقيا حسب رأيه.

شخصيا يعجبني تحليله رغم اختلافنا, لكن هنا نجده يبهت أصله الأمازيغي إذا كان مؤمنا برواية بلوتارك.

الحقيقة ان نسبة سبرتاكوس إلى Tharce تراقيا في بلغاريا وجعله, مستدركا, بأن من عرق نوميدي شيء محير.

إنه جعله من عرقي نوميدي يقطع, مبدئيا, الشك في أصله, فالنوميدي هو الأمازيغي ومن المجانية والعبث الجدلي تحميل الأسم معنى يقبل بالاحتمال الفينيقي. لكن ما هو محير هو مالذي يجعل شخصا أمازيغيا يولد في تراقيا (في البلقان؟).

بحثت في مرجع الكاتب, وقد تبين لي أن بلوتارك يجعله تراقيا لكن ينسبه للعرق النوميدي ‘أي الأمازيغي’, لكن مع البحث تبين لي أن هناك خلاف حول المسألة لأني وجدت مصادر أخرى تنسبه الى تراقيا وعرقها (سكانها الأصليون؟) وقد ترجمت العبارة الى “Nomad” عوض “Numide”. فالأول تعني: “بدوي”, “رحل” قي حين تشير الثانية الى أراضي نوميديا وسكانها الأمازيغ. ويتساءل بعض الكتاب عما يجعل نوميديا في تلك البلاد؟؟؟؟

باسترسالي في البحث, لم أستطع الحكم على الترجمة لأن أميز حرفا في الأغريقية, لكن بدا لي أن كتابا ينفون أصله النوميدي يقرون/يزعمون أنه نسبه “لعرق نوميدي” (وليس الرحل).

خلاصة:
إذا صح آن بلوتارك Plutarque ينسب سبرتاكوس فأن هناك تعليلا لا شبهة فيه توضح كيف يمكن تفسير وجود الأمازيغ في تلك الأماكن. وهو ما تحدثت عنه في موضوع الجنرال الروماني الأمازيغي “ليسيوس كويتوس “: