Archive | special RSS feed for this section

>اختراق موقع أوسان ليبيا الليبي المعارض

23 Feb

>

نجحت مرتزقة القذافي في اختراق موقع ليبي أمازيغي معارض يسمى أوسان ليبيا الذي يعني “أيام ليبيا” بالأمازيغية، واصفة العاملين على الموقع بأنهم خونة، وقم سمى المخترقون أنفسهم بالشبح الأسلامي، كما تضمنت الرسالة التى تركها المخترقون للموقع رسالة للجزيرة مؤكدين على أن النظام القذافي باق لأنهم لن يتنازلوا عليه. يذكر أن النظام الليبي هدد بالقتال إلى آخر قطرة دم مستعملا سفنا وطائرات حربية لقصف الجماهير الليبية كما عمل على منع الصحف الدولية من متابعة الحدث عن كثب كما تم التشويش على الاتصالات السلكية واللاسلكية وكذا حجب موقع الجزيرة الألكتروني، بل والتشويش على القناة نفسها من موقع في طرابلس حسب ما أفادت به قناة الجزيرة.
يذكر أن المخترقين حاولوا صبغ اختراقهم بصبغة دينية إسلامية من خلال الأسم المستعمل “فريق الأشباح الأسلامية” في حين أن القرضاوي ذهب إلى حد هدر دم قائدهم الذين وصفوه بالأب والقائد والمعلم، في الوقت الذي وصف فيه هو نفسه بالثورة والمجد والتاريخ.

>نماذج من التواصل الحضاري بين شمال أفريقيا والصحراء الكبرى

12 Feb

>

د. مصطفى أعشي

 جامعة محمد الخامس / الرباط
معهد الدراسات الأفريقية
 يحاول هذا الموضوع التطرق لنماذج من التواصل الحضاري الذي كان موجوداً بين شمال أفريقيا والصحراء الكبرى خلال عصور ما قبل التاريخ ، باعتبارهما منطقتين جغرافيتين تكملان بعضهما ، انطلاقاً من متابعة التغيرات المناخية التي عرفتها المنطقتان ، والتحركات البشرية التي صاحبتها ، ثم التعرض للمخلفات الأثرية التي تبرز التواصل والتأثير المتبادل المنطقتين .  ولإبراز هذه العلاقات وهذا التواصل نقترح التعرض من خلال هذا العرض مناقشة ثلاث نقط محورية :ـ
1 ـ الصحراء الكبرى وتطورها المناخي وخاصة خلال الأدوار الجليدية. 2 ـ شمال أفريقيا وسماتها الجغرافية الأساسية.
1 ـ بعض نماذج ومظاهر العلاقات بين المنطقتين وتطورها خلال عصور ما قبل التاريخ انطلاقاً من البدايات الأولى وإلى غاية توصل الإنسان إلى الزراعة وتربية الماشية.
1 ـ الصحراء الكبرى وتطورها المناخي
تعتبر الصحراء الكبرى في أفريقيا حالياً منطقة قاحلة مقفرة تغطي جزءاً كبيراً من وسط أفريقيا وشمالها وتكاد تمثل حاجزاً طبيعياً بين شمال أفريقيا ووسطها . وتمتد الصحراء الكبرى من الغرب إلى الشرق أي من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر ، على طول 3000 كلم . ومن الشمال إلى الجنوب أي من البحر الأبيض المتوسط إلى بداية المناطق الاستوائية ، على طول 1500 كلم . ويحدد الباحث ميلبورن (M.MILBURN ) مساحتها في حوالي تسعة ملايين كلم2 1 .بينما يحددها العالم هوكو (HUGOT ) في أربعة ملايين ونصف مليون كلم2 2 . والصحراء تعبير نباتي ، تعني افتقار الإقليم للحياة النباتية والحيوانية ولكن هذا لا يعني الفقر التام ، إذ مما لا شك فيه أن هناك حياة نباتية وحيوانية في الصحراء.
على الرغم من أن الصحراء الكبرى تعد من أكبر الصحاري في العالم ، إلا أنها لم تكن على ما هي عليه الآن ، إذ كانت إلى غاية حوالي 6000 ق . م وربما إلى بعد ذلك ، عبارة عن أرض رطبة تعرف الأمطار الكافية وتعج بالحياة النباتية والحيوانية والبشرية.
ولهذا فقد أنكب العديد من الباحثين على دراسة هذا التحول المناخي الذي عرفه العالم بما فيه الصحراء وشمال أفريقيا ، منهم : كاطون ، طومسيون ، وكوتيي ، وهوكو ، وقوفري وغيرهم ، لرصد مراحل هذا التطور المناخي والحقائق المرتبطة به . كما أن أبحاثهم ودراساتهم وتساؤلاتهم ، فتحت آفاقاً جديدة لمتابعة التأثيرات المتبادلة بين الصحراء وشمال أفريقيا وتحديد نوعية العلاقات التي كانت قائمة بين المنطقتين. ومن المسلم به أن قضية العلاقات والتأثيرات المتبادلة بين الصحراء وشمال أفريقيا وتحديد نوعية العلاقات التي كانت قائمة بين المنطقتين. ومن المسلم به أن قضية العلاقات والتأثيرات المتبادلة بين شمال أفريقيا والصحراء ، كانت ترتبط ارتباطاً كبيراً بالتغييرات المناخية التي كانت تعتبر العامل المتحكم في الاستقرارات من ناحية ، وفي التحركات البشرية أخرى ، منذ بداية ظهور الإنسان في أواخر حقبة البليوسين وبداية حقبة البلايستوسين.
كما أنه مما لا شك فيه أن أقل زيادة في الجفاف في مساحات الصحراء الكبرى ، كانت تتسبب في القيام بتحركات ونزوحات بشرية نحو المناطق التي تتوفر فيها سبل الحياة ، وخاصة الماء والأشجار المثمرة والحيوانات ، مما يتسبب في إحداث تغييرات اجتماعية وسياسية بعيدة المدى في الجهات التي يتم الانتقال إليها . ونزوح الناس وهجرتهم من الصحراء ، تتسبب في زيادة قحولتها وتمدد في إطالة عمر المراحل الجافة ، إلى حد أن تصبح طرق القوافل والمسالك القديمة غير مجدية ، بينما في المقابل يساهمون في كتابة فصول جديدة يضيفونها إلى المناطق التي استقروا بها حديثاً.

1 ـ 1 التغييرات المناخية والأدوار الجليدية
تثبت الأبحاث العلمية أن الكتل الجليدية القارية الموجودة في القطبين الشمالي والجنوبي والتي تبلغ مساحتها حالياً حوالي خمسة عشرة مليون كلم2 ،تضخم حجمها بدرجة كبيرة ، في عصور ما قبل التاريخ، ولاسيما خلال الأدوار الجليدية ، فزحفت على مساحات شاسعة من الأراضي وغطت أجزاء هامة من تجارتي أوروبا وأمريكا .
وقد تكررت هذه الظاهرة ، على الأقل ، أربع مرات خلال المليون سنة الأخيرة من عصور ما قبل التاريخ وهي المعروفة بالأدوار الجليدية :ـ
دور جليد كونز (Gunz ) ما بين 600000 و 540000 سنة ق .م
دور جليد مندل (Mindel ) ما بين 480000 و 430000 سنة ق .م
دور جليد ريس (Riss ) ما بين 240000 و 180000 سنة ق .م
دور جليد قورم (Wurm ) ما بين 120000 و 10000 سنة ق .م[1]

وقد كان يفصل بين كل دور جليدي وآخر فترات بين جليدية دفيئة هي التي تعود فيها الصحراء إلى حالة الجفاف. ونذكر على سبيل المثال أنه في حدود 20000 سنة ق.م بلغت كتل الجليد أقصى زحفها إذ بلغت المساحة المغطاة حوالي أثنين وأربعين مليون كلم2 ، أي ما يقارب ثلاث مرات المساحة التي يغطيها الجليد الآن. وفي الفترات التي ترتفع فيها درجة الحرارة تتقلص كتل الجليد بشكل كبير نتيجة لذوبان أجزاء منها . وقد كان لزحف الجليد وتراجعه تأثيرات هامة على الوسط الطبيعي منها :ـ
1ـ1 ـ1 انخفاض درجات الحرارة : عم البرد القارص والرياح الثلجية شمال أوروبا وشمال أمريكا وتواجدت فيها الأصناف الحيوانية المعروفة بتأقلمها مع المناخ الجليدي كالماموث والكركدن ذي الغطاء الصوفي والرنة والدب . كما عاشت في المناطق المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط أصناف من الطيور القطبية كالبطريق.

1ـ 1 ـ 2 انخفاض مستوى البحار : لم تعد الدورة المائية تستكمل دورتها بسبب البرد القارس المصاحب لانخفاض درجة الحرارة . مما تسبب في عدم ذوبان الجليد . وقد حدثت هذه العملية عدة مرات تبعاً للدورات الجليدية ، واستمرت آلاف السنين ، مما أدى إلى تراجع كبير في مستوى البحار والمحيطات . تجاوز أحياناً أكثر من مائة كلم . وعلى سبيل المثال فقط فإن مدينتي قابس وصفاقس التونسيتين الواقعتين الآن على الشاطئ مباشرة ، كانتا تبعدان عنه بحوالي 100 كلم ما بين 13000 و 15000 سنة ق.م . كما يعتقد أنه كان هناك برزخ يربط بين أوروبا وأفريقيا عن طريق صقلية عبر الوطن القبلي في تونس ، وعن طريق مضيق جبل طارق في المغرب.

1 ـ 1 ـ 3 غمر البحار لليابسة : عند ذوبان الجليد وتراجع جزء منه يرتفع منسوب الماء في البحار والمحيطات فتغمر أجزاء شاسعة من اليابسة وقد حدثت هذه العملية أربع مرات على الأقل ودامت آلاف السنين ، وتركت شواهد مادية دالة على ذلك. وتفيد الأبحاث المناخية أن هناك علاقة وطيدة بين زحف الجليد في أوروبا وأمريكيا وتنقل المرتفعات الجوية التي تتحكم في مناخ المناطق المدارية وشبه المدارية ، مما يؤكد أن مناخ الصحراء خلال عصور ما قبل التاريخ مر بفترات رطبة ممطرة تتخللها فترات من الجفاف والجدب.

1 ـ 1 ـ 4 شواهد التغيرات : ومن الشواهد التي تؤكد هذه التغيرات التي عرفتها الصحراء ، الفرشات والمسطحات المائية كالبحيرات ومجاري الأنهار والآثار الحضارية للإنسان في الصحراء.

1 ـ 1 ـ 4 ـ1 ففيما يتعلق بالفرشات والمسطحات الضخمة بالصحراء ، فمن المعروف أنه يتواجد في شمال الصحراء فرشات مائية ضخمة تغذي العيون العديدة التي تسقي واحات تونس والجزائر وليبيا ، وهي عبارة عن خزانات طبيعية تجمعت فيها كميات هائلة من المياه في الفترات الرطبة والممطرة والتي عرفتها الصحراء خلال عصور ما قبل التاريخ ، والموازنة للأدوار الجليدية الأوروبية.
وتدل الدراسات الحديثة على أن ماء هذه الموائد المائية تضخم نتيجة ارتفاع مستوى الأمطار الساقطة على الصحراء ، فارتفع مستواها وأصبح قريباً من سطح الأرض . ويؤكد تحول شط الجريد في جنوب تونس ، مثلا ، إلى بحيرة شاسعة كانت تعيش على ضفافها مجموعات بشرية عديدة تتغذى على صيد الحيوانات . وتفيد التحاليل المعملية أن شط الجريد الواقع جنوب تونس كان قد تحول إلى بحيرة في مناسبتين : الأولى حوالي 140000 سنة ق.م ، أي بعد نهاية دور جليد ريس وبداية الفترة الفاصلة بين دور جليد ريس ودور قورم . والثانية حوالي 90000 سنة ق.م ، أي خلال الربع الأول من دور جليد قورم.

1 ـ 1 ـ 4 ـ 2 وبالنسبة للبحيرات واتساع مجالها وتقلصه حسب التغيرات المناخية ، فتعتبر بحيرة التشاد من أضخم المسطحات المائية في أفريقيا . إذ يمكن اعتبارها بحراً داخلياً ضخماً ، يتراوح عمقها بين 3 و 7 أمتار حسب الفصول وحسب مستوى التساقطات . بينما خلال عصور ما قبل التاريخ ، عرفت هذه البحيرة تضخماً في حجمها ، وذلك فيما بين 40000 و 20000 سنة ق.م ، أي خلال المرحلة الأخيرة من دور جليد قورم ؛ بلغ ست عشرة مرة المساحة الحالية ، صاحبة تجاوز العمق إلى خمسين متراً . إلا أنه خلال الفترة المتراوحة ما بين 20000 و 10000 سنة ق.م ، بدأت مساحتها تتقلص بشكل ملحوظ نتيجة حلول فترة من الجفاف ، فكادت تضمحل وأصبح سطحها ميدانياً شاسعاً تنتقل فوقه كثبان الرمال . ولا تزال مساحتها تتراجع إلى يومنا هذا.

1 ـ1 ـ4 ـ3 وإذا عدنا إلى تأثير تغير المناخ على مجاري الأنهار ، فنلاحظ أنه خلال توفر المناخ المطير في الصحراء ، تتسع مجاري الأنهار نتيجة لارتفاع منسوب المياه فتعم الخصوبة وتنتشر الخضرة ؛ ولكن إذا حل الجفاف يتقلص منسوب الماء في المجاري وتقل قوة سيرة فيتحول إلى عدة مجاري ، وإلى مستنقعات لا تقوى على التحرك . وتستقر الكثبان الرملية بالتدريج في مجراه إلى أن توقف مسيرته كما حدث لعدد من الأنهار في الصحراء التي نلاحظ أوديتها الواسعة ومجاريها الجافة.

1 ـ 1 ـ 4 ـ 4 أما الآثار الحضارية الشاهدة على رطوبة مناخ الصحراء خلال الأدوار الجليدية والتي استوطنها الإنسان خلال عصور ما قبل التاريخ ، وترك فيها عدداً هاماً من الآثار المتمثلة على الخصوص ، في الأدوات الحجرية ومواطن إقامته وبقايا حيوانية وبشرية التي توجد الآن في مناطق جافة وقاحلة . فقد عثر في هذه المواطن على مجموعات من عظام الحيوانات كالفهد ، والفيل ، والكركدن ، والتمساح وأسماك البحيرات والأنهار ، وأفراس النهر ، والزرافات ؛ هذا علاوة على الحلزون المائي الذي كان يعيش في المسطحات المائية التي كانت تتواجد في الصحراء . وفي موقع تيهوذين بجنوب الصحراء الجزائرية التي زارها كوتيي (E.F Gautier ) وريكاس (Reygasse ) سنة 1932 تم العثور على صناعة حجرية مختلطة بحيوانات الكركدن ، والفيل ، وفرس البحر ، والبقريات والجاموس ، والخنزير ذي القرنين وحمار الوحش والتمساح ، والغزال الخ… . وبجانب هذه البقايا الحيوانية عثر في مناطق متعددة من الصحراء على مجموعات هامة من الرسوم والنقوش الصخرية التي تمثل مشاهد من الحياة اليومية لإنسان تلك المرحلة بجانب قطعان من الحيوانات المتنوعة ، بعضها انقرض ، وبعضها انتقل إلى مكان آخر والبعض الآخر لا يزال موجوداً.
كل هذه المعطيات والشواهد تعبر بصفة واضحة وجلية عن وضع مناخي ممطر ورطب مناسب لحياة الإنسان والحيوان والنبات ، يختلف تماماً عن المناخ الحالي ، مما دفع ببعض الباحثين إلى الاعتقاد في أن الجذور الأولى لحضارة الإنسان خلال عصور ما قبل التاريخ في شمال أفريقيا بوجه عام ، ترجع في الحقيقة إلى جهود الإنسان الصحراوي في ذلك الوقت.

كيف ذلك ؟
إن التغيرات المناخية التي عرفتها الصحراء الكبرى يبلغ عددها لحد الآن أربعة ، تفصل بينها دورات جافة وحارة ، وإنه خلال هذه التغيرات التي عرفتها المليون سنة الأخيرة من حياة الإنسان ، الذي عاش في الصحراء ، كان مضطراً لمغادرتها والنزوح إلى المناطق المجاورة ، تبعاً للظروف المناخية ، بحثاً عن الكلا والمرعى والماء .
وانتقاله إلى المناطق الجديدة وخاصة شمال أفريقيا كان يتم بالطبع بالجسد والفكر والحضارة .إذ أنه ينتقل بكل تراثه وتراكماته الحضارية التي يستعين بها للتأقلم مع الظروف الطبيعية الجديدة ، وهذا ما ساعده على الإسهام في التطور الحضاري للمنطقة الجديدة التي نزح إليها .وبهذه الطريقة فإن النازح الجديد من الصحراء يكون قد ساهم في تطور المنطقة الجديدة التي استقر بها.
وعملية النزوح هذه ، تكون قد تمت على الأقل أربع مرات ، واتجهت إلى المناطق التي تتوفر على الماء والقوت والكلإ وهذا ما جعل بعض الباحثين ، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ، يميلون إلى القول ، بأن الصحراء كان لها دور كبير في تعمير شمال أفريقيا بالإنسان أولاً ، وبالتطورات الحضارية التي تلت هذا التعمير والتي عرفتها المنطقة ثانياً ، والمتمثلة خاصة في الصناعات الحجرية التي صنعها واستعملها ، وفي الفنون الصخرية التي أبدعها ، وفي تربية الماشية والزراعة التي توصل إليها .

2. شمال أفريقيا وسماتها الجغرافية الأساسية
ونعني بها المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ومن البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً .وهي تبدو على شكل جزيرة أو شبه جزيرة إذا استثنينا ممر شبه جزيرة سيناء في أقصى الشمال الشرقي .
وهي السمة التي جعلت إنسان هذه المنطقة الواسعة يعيش ، على ما يبدو ، في مجال معين شبه معزول ، تفاعل مع بيئة هذا المجال دون ضغوط خارجية كبيرة مما أدى إلى تكوين عقلية متميزة خاصة بهذه المنطقة .
وتتميز هذه المنطقة بثلاثة عناصر أساسية ساهمت في تكوين خلفية ذهنية متشابها بين أبناء هذه المنطقة منها :ـ

2 ـ 1 وجود سلسلة جبال الأطلس التي تمتد على طول شمال أفريقيا بمثابة الهيكل العظمي لها . وعلى الرغم من أن هذه الجبال ، قد تبدو ، في بعض الأحيان ، كحواجز ، إلا أنها تمثل أحد العناصر الأساسية لشخصية هذه المنطقة ، والمؤثرة فيها باعتبارها المصدر الأساسي للمياه.
2ـ 2 الصحراء الكبرى التي تمتد جنوباً تعتبر استمراراً لشمال أفريقيا وجزءاً منها ، بل وعمقها الاستراتيجي . لعبت ، عبر مختلف مراحل التاريخ ، دوراً كبيراً في تهيئ بعض الظروف الملائمة لتطور شمال أفريقيا وتوحيدها . وكان للتغيرات المناخية التي عرفتها الصحراء أثر كبير في تكوين العنصر البشري لشمال أفريقيا . إذ كانت المناطق الصحراوية عبارة عن خزان للإنسان الذي كانت تقذفه خلال فترات الجفاف ، بعد تراجع الأدوار الجليدية ، وتدفعه إلى الشمال بالدرجة الأولى . وبذلك لعبت الصحراء دوراً كبيراً في تعمير شمال أفريقيا[2] .
2 ـ 3 شواطئ شمال أفريقيا الممتدة على طول آلاف الكيلومترات من نهر السنغال على المحيط الأطلسي غرباً إلى قناة السويس وسواحل البحر الأحمر شرقاً مروراً بالبحر الأبيض المتوسط . ولم تستعمل هذه الشواطئ فقط لصيد الأسماك ولكن استعملت كثغور وبوابات تواصل بين شمال أفريقيا وعالم البحر الأبيض المتوسط ، وما صاحب هذا التواصل من تأثير متبادل ساهم في تكوين إرهاصات الخلفية الثقافية المشتركة لإنسان هذه المنطقة.

3. نماذج من العلاقات بين الصحراء وشمال أفريقيا
تتمثل هذه العلاقات ، على الخصوص ، في التشابه الموجود ، بل وأحياناً التطابق التام بين الأدوات الحجرية التي تم استخراجها في عدد من المواقع الما قبل التاريخية بالصحراء وشمال أفريقيا ، انطلاقاً من أقدم الأدوات إلى أحدثها ، مما يوحي بأن البشر صانعو هذه الأدوات في هذه المناطق ينتمون إلى جذور مشتركة أو على الأقل إلى منابع ثقافية واحدة أو متشابهة .
وهذا يعني أن هناك اتجاه إلى الاعتقاد في أن الجذور الأولى للإنسان وحضاراته المختلفة في شمال أفريقيا بوجه عام ، ترجع في جزء كبير منها إلى الإنسان في الصحراء وجهوده.

فما هي المراحل التطورية التي عرفها العنصر البشري في هاتين المنطقتين ؟3 ـ 1 العنصر البشري : لقد كشفت الأبحاث الأثرية والتنقيبات العلمية أن الصحراء وشمال أفريقيا عرفت استقرار الإنسان بها منذ البدايات الأولى لظهور الإنسان ـ مما يؤكد عراقة هاتين المنطقتين في قدم استقرار الإنسان بهما . لكن قبل التعرض النماذج البشرية ومكانتها في سلم التطور البشري يبدو أنه من الأفضل التعرض ولو بإيجاز للمراحل التطورية الكبرى للإنسان بصورة عامة ، والتي على أساسها يمكن وضع إنسان الصحراء وشمال أفريقيا في المكان الملائم من سلم التطور البشري.

وتنقسم ، عادة ، مراحل التطور البشري إلى أربع مراحل:
3 ـ 1 ـ 1 مرحلة الأوسترالوبيتيك (Australopithecus ) أو الإنسان القردي الجنوبي ، موطنه الرئيسي لحد الآن شرق وجنوب أفريقيا . وتعود أقدم بقاياه إلى أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون سنة . ومن أشهر نماذجه الهيكل البشري لوسي (Lucy )[3] .

3 ـ 1 ـ 2 مرحلة الإنسان المنتصب القامة (Homo Erectus ) الذي عاش على الأرض ما بين مليون ونصف مليون ومائتي ألف سنة ق.م .وقد تم العثور عليه في شرق أفريقيا وشمال أفريقيا والصحراء والصين وأندونيسيا (خريطة رقم 1 )[4] .

3 ـ 1 ـ 3 مرحلة إنسان النياندرطال ( Neandertal ) ، عثر عليه لأول مرة في ألمانيا ثم في كل البلدان الأوروبية . ولذلك فيبدو أنه عمر أوروبا بالدرجة الأولى ما بين 20000 و 35000 سنة ق.م. ولا يوجد له أي أثر في شمال أفريقيا والصحراء[5].

3 ـ 1 ـ 4 الإنسان العاقل العاقل (Homo Sapiens Sapiens ): ظهر منذ حوالي 100000 سنة ق.م. وهو الذي يعمر العالم اليوم ، وإليه تنتمي كل شعوب الأرض [6]. وإذا حاولنا تتبع هذه المراحل التطورية في الصحراء وشمال أفريقيا فماذا سنلاحظ؟

3 ـ 1 ـ 5 إن المرحلة الأولى المتمثلة في الأوسترالوبيتيك لم يعثر على أي بقايا لها في الصحراء وشمال أفريقيا تبعاً للأبحاث والتنقيبات الأثرية التي أجريت لحد الآن . ولكن في المقابل ، تم العثور على الأدوات الحجرية التي استعملها الأسترالوبيتيك والتي وجدت بجانبه في شرق أفريقيا ، وجدت في شمال أفريقيا والصحراء مما يوحي بوجوده في المنطقتين الأخيرتين إلا أن التحريات والأبحاث الأثرية لم تصل إليه بعد.
3 ـ 1 ـ 6 أما فيما يتعلق بالمرحلة التطورية الثانية والمتمثلة في الإنسان المنتصب القامة فقد عثر في شمال أفريقيا والصحراء على العديد من نماذجه ، مما يؤكد عراقة هذا الإنسان في المنطقتين وقدم تعميره لهما . وتعود أقدم هذه البقايا إلى حوالي مليون سنة وهو إنسان سيدي عبد الرحمن الثاني الذي استخرج سنة 1996 . ويليه في القدم إنسان التشاد (Tchadanthrope ) وهو إنسان عتيق كذلك اكتشفه الباحث الفرنسي إيف كوبنس (Y. Coppens) سنة 1961 في التكوينات الرسوبية لصحراء جوارب . كما عثر على نماذج أخرى من هذا الإنسان في الدار البيضاء والرباط وسلا بالمغرب وباليكاو بالجزائر ، وقد أطلق عليه اسم محلي هو الأطلانثروب (Atlanthrope ) . والملاحظ في العصر الحجري القديم الأسفل أن البقايا البشرية للأطلانثروب نادرة في تونس وليبيا والصحراء وموريتانيا ومنعدمة في مصر ، ويفسر هذا على أنه راجع على ما يبدو ، إلى قلة التنقيبات والأبحاث الأثرية المرتبطة بإنسان هذه الفترة . إلا أنه في المقابل يلاحظ توفر الأدوات الحجرية التي استعملها هذا الإنسان والتي تغطي كل أفريقيا والصحراء ، مما دفع الباحثين إلى القول أن إنسان الأطلانثروب عاش في كل شمال أفريقيا والصحراء وليس فقط في المغرب والجزائر.

3 ـ 1 ـ 7 وإذا انتقلنا إلى المرحلة التطورية الثالثة والمتمثلة في أوروبا بإنسان النياندرطال ، فإن الصحراء وشمال أفريقيا لا يتضمنان أي أثر لهذا النموذج البشري . إلا أنه في المقابل يلاحظ استمرارية وجود الإنسان في ليبيا شرقاً إلى المغرب غرباً والصحراء جنوباً . وهذا النموذج البشري الشمال الأفريقي الصحراوي يعتبره الباحثون تطوراً محلياً للإنسان المنتصب القامة وصلة وصل بينه وبين الإنسان العاقل . وهذا يعني أنه لا وجود للنياندرطال الأوروبي في الصحراء وشمال أفريقيا . وخير مثال لهذا النموذج المحلي إنسان جبل أيغود في المغرب وإنسان هوافطيح في ليبيا . ففيما يتعلق بالبقايا البشرية العائدة لجبل أيغود والذي سبق للباحث الفرنسي كوبنس أن أجرى دراسات على بقاياه وحدد زمنه بحوالي سبعين ألف سنة قبل الميلاد ، وأكد عدم انتمائه إلى فصيلة النياندرطال كما سبق للأستاذ أينوشي أن أعلنه عند اكتشافه لهذه البقايا سنة 1962 [7]. إلا أن الباحث المغربي الشاب بن نصر أكد بعد إعادته لدراسة هذه البقايا أنها تعود إلى أكثر من 130000 سنة ق.م بل وربما أقدم بذلك بكثير.
ومن خصائص إنسان جبل أيغود أنه يجمع بين بعض سمات الإنسان المنتصب القامة وسمات الإنسان العاقل العاقل مما يؤكد أنه يمثل مرحلة تطورية انتقالية نحو الإنسان الحالي أي أنه عبارة عن صلة وصل أو الحلقة الفاصلة بين الإنسان المنتصب القامة والإنسان العاقل العاقل . وهذه الميزة التطورية لا نجدها إلا في المغرب فقط مما جعل منه أحد مراكز الاهتمام الأساسية لدراسة تطور النوع البشري . والغريب أن كل بقايا هذا الإنسان عثر عليها في داخل الكهوف مما يعني أنه كان يعيش زمن الدور الجليدي الأخير ” قورم ” .
3 ـ 1 ـ 8 وآخر مرحلة في التطور يتعلق بالإنسان العاقل العاقل الذي عثر على بقاياه في كل من شمال أفريقيا والصحراء . وهو الإنسان صانع الحضارة العاطرية والحضارة الوهرانية والحضارة القفصية.
ويبدو أنه مع نهاية المرحلة الطويلة للعصر الحجري القديم بأقسامه الثلاثة ، ونهاية الأدوار الجليدية ، وبداية الجفاف في الصحراء الكبرى ، بدأت تفد على أرض شمال أفريقيا موجات بشرية جديدة ، قدم أغلبها من الصحراء ، اختلطت بالسكان الأصليين وامتزجت فيهم وساهمت معهم في تكوين الفرشة السكانية للمنطقة . وعليه فالعنصر البشري في شمال أفريقيا يكون قد التأم انطلاقاً من العناصر البشرية الأصلية التي عثر على بعض نماذج بقاياها في العديد من المواقع الأثرية ، إضافة إلى العناصر البشرية القادمة من الصحراء الكبرى بالدرجة الأولى ومن الشرق أحيانا.
3 ـ 2 العلاقات البشرية بين شمال أفريقيا والصحراء : من خلال مراجعة أولية لما خلفه إنسان العصور ألما قبل التاريخية في الصحراء وشمال أفريقيا ،اتضح أن أغلب هذه المخلفات تتشابه على طول وعرض المنطقتين ، بل وأحياناً تتطابق ، مما يوحي ببروز البدايات والإرهاصات الأولى لوحدة ذهنية وحضارية في المنطقتين وتتمثل بعض مظاهر العلاقات في العناصر التالية :
3 ـ 2 ـ 1 الصناعات الحجرية : لقد عاش إنسان المنطقتين خلال عصور ما قبل التاريخ عيشة تتلاءم والظروف البيئية المحيطة به ، واضطر للتأقلم معها ، وصنع منها أدواته الحجرية والعضمية والخشبية التي يحتاجها . وقد عرفت هذه الأدوات تطوراً في تقنيات صنعها تبعاً لتطور الإنسان الذهني وتفاعله معتغيراه . ومن أقدم هذه الأدوات الحجرية التي استعملها الإنسان بصورة عامة وإنسان الصحراء وشمال أفريقيا بصورة عامة وإنسان الصحراء وشمال أفريقيا بصورة خاصة هي المعروفة لدى الباحثين باسم حضارة الحصاة أو الحصى المشذب أو المعدل.
3ـ 2 ـ 1 ـ 1 حضارة الحصاة أو الحصاة المشذبة ( pebble – culture, le galet amenage ) : وهي أدوات حجرية بدائية مصنوعة من الحصاة يرجع تاريخها إلى ما يزيد على مليونين ونصف مليون سنة [8] وذلك باستعماله طريقة البوثاسيوم اركون (KA ) على بعض الأدوات المحتوية على مواد بركانية . أقدم هذه الأدوات الحصوية استخرج من منطقة حوض نهر الأومو باثيوبيا . وتتمثل في حصاة دائرية الشكل تنزع منها شظية واحدة أو عدة شظايا ، مما يجعل جزءاً من الحصاة حداً قاطعاً . وقد استعمل الإنسان هذه الأداة الحجرية مدة طويلة من الزمن تجاوزت المليون ونصف سنة . وعلى الرغم من أنه لم يعثر لحد الآن على بقايا الإنسان صانع هذه الأداة في شمال أفريقيا والصحراء والذي يعتبر أقدم الأنواع البشرية البائدة والذي اكتشف آخر نموذج له سنة 1972 في أولدوقاي ، فإنه يجوز لنا ، انطلاقاً من العثور على هذه الأدوات الحصوية في العديد من مواقع الصحراء وشمال أفريقيا القول بأن الإنسان صانع هذه الأدوات كان موجوداً في هاتين المنطقتين . فقد تم العثور على الحصاة المشذبة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والصحراء مما يدفعنا إلى القول بوجود علاقات حضارية وبشرية منذ البدايات الأولى للإنسان بين هاتين المنطقتين . ويمكن أن نعتبر هذا مؤشراً إلى إمكانية وجود خلفية ذهنية مشتركة أو متقاربة ومتشابهة بين سكان المنطقتين ، حدثت على ما يبدو نتيجة تفاعل الإنسان مع بيئة متشابهة مما جعل نتيجة التفاعل بين البيئة والإنسان عبارة عن منتوج حضاري متقارب أو متشابه. وقد عرفت حضارة الحصاة تطوراً تدريجياً في شكلها وفي طريقة صناعتها إلى أن أصبحت منذ مليون سنة تقريباً على شكل فاس يدوية سميت بذات الوجهين أو الحضارة الأشولية.

3 ـ 2 ـ 2 ذات الوجهين (Bifaces ) : وهي أدوات حجرية تعتبر أكثر تطوراً من الحصاة المشذبة ، كما أنها كانت في الأصل حصاة نزعت منها شطايا عديدة بطريقة أكسبتها وجهين متشابهين إلى أن أصبح لها شكل كمثري . وقد تم العثور على هذه الأدوات في كثير من المواقع بشمال أفريقيا والصحراء . وتمتد الفترة التي غطتها هذه الصناعة من مليون سنة إلى حوالي مائة ألف سنة قبل الميلاد مع نهاية العصر الحجري القديم الأدنى[9] .
وإن وجود هذه الأدوات الحجرية بوفرة في المنطقتين دليل آخر على وجود تبادل للتأثيرات الحضارية واستمرار للعلاقات الحضارية والبشرية بين الصحراء وشمال أفريقيا في هذه المراحل العتيقة من ما قبل التاريخ.
ومع انتهاء العصر الحجري القديم الأدنى ، وبداية بزوغ الإنسان العاقل العاقل ، عرفت تقنيات صناعة الحجر تطوراً كبيراً تميز بتنوع وتعدد الأدوات الحجرية ، وبكونها أصبحت أكثر دقة نظراً لسيطرة الإنسان على تقنيات وأساليب صنع أدواته الحجرية . ومن أهم هذه التقنيات.

3 ـ 2 ـ 3 القالوازية الموسترية : التي تتميز فؤوسها اليدوية ذات الوجهين بتقلص حجمها إذ أخذت الأدوات الكبيرة تتلاشى ، تاركة مكانها لأدوات أصغر حجماً ، وأكثر تنوعاً مثل المكاشط(Racloirs ) والمثاقب (pointes ) والشفرات والسكاكين(les lames)[10] وقد عرفت شمال أفريقيا هذه الصناعة في العصر الحجري القديم الأوسط إلا أن مواقعها قليلة إذا ما قورنت بمواقع الفترات الأخرى . وتعود قلة وجود هذه التقنية إلى بروز تقنية صناعية جديدة ابتكرها إنسان الشمال الأفريقي ،وغطت كل شمال أفريقيا والصحراء من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى التخوم الجنوبية للصحراء الكبرى جنوباً . تسمى هذه التقنية الصناعية بالحضارة العاطرية .

3 ـ 2 ـ 4 الحضارة العاطرية : سميت بهذا الاسم نسبة إلى بئر العاطر (Bir Alater ) الواقع شرق الجزائر والذي وجدت به ودرست فيه أدوات هذه الصناعة لأول مرة . وأول من تأكد أنها تقنية حضارية محلية هو الباحث الفرنسي ريكاس (Reygasse ) الذي وصفها سنة 1922 في دراسته التي نشرتها الجمعية الفرنسية لتقدم العلوم [11].
أما قبل هذا التاريخ ، فإنه رغم العثور على نماذج من هذه الأدوات في مواقع متعددة بشمال أفريقيا والصحراء ، إلا أن الباحثين الفرنسيين كانوا يطلقون عليها تسميات غامضة ، كما يحصل مع كل اكتشاف أثري يبرز شخصية المنطقة وإسهامها في الحضارة الإنسانية ؛ من هذه التسميات نيوليتي بربري (Neolithique berbere ) الذي أطلقه عليها الفرنسي بالاري (pallary ) سنة 1909 [12].  ويحتل العاطري ، في الوقت الراهن من البحث الأثري في شمال أفريقيا والصحراء ، المكانة التي يحتلها الموستيري خارج المنطقتين . أما تسلسله الزمني ، فقد أثبتت التنقيبات الأثرية الطبقية ، أنها تأتي بعد الموستيري في الزمن ، بل وفي غالب الأحيان تحتل مكانته ، وأنها بالإضافة إلى ذلك سابقة العصر الحجري القديم الأعلى .
ورغم الصعوبة في تحديد المركز الذي نشأت فيه هذه الحضارة لأول مرة ومنه انطلقت إلى باقي المراكز ، إلا أن المواقع وتركيزها على الساحل الغربي في المغرب ، واستمرار انتشارها في ليبيا ومصر ، وتوجهها توجها قوياً نحو الجنوب في الصحراء ، إلى أن تتوقف بصفة عامة على ضفاف ما تبقى من البحيرات في الصحراء الجنوبية كبحيرة تشاد[13]. يجعل من هذا التركيز في المغرب وتدرج قلة المراكز كلما اتجهنا إلى الشرق إلى غاية مصر تجعلنا نفترض أن مهد هذه الصناعة كانت في المغرب الحالي ، ومنه انتشر في باقي شمال أفريقيا والصحراء . وهذا يعني أن هذه الصناعة فرضت وجودها في كلا المنطقتين ؛ وأن العلاقات الحضارية هذه المرة ،كان اتجاهها غريباً ـ شرقياً وغربياً وجنوبياً وشرقياً ، أي أن الصناعة العاطرية كانت المحرك الأساسي القوي التأثير في هذه المرحلة ، مما يجعلنا نميل إلى القول بأن إرهاصات ما يمكن أن نسميه الوحدة الحضارية بين شمال أفريقيا من جهة والصحراء من جهة أخرى تعود إلى هذه المرحلة.
وقد طرح نقاش حول طريقة وصول هذه الحضارة إلى الصحراء.ويقدم الباحث هوكو افتراضاً ينطلق من أن التعمير العاطري للصحراء بدأ منذ حوالي 30000 سنة ق.م حين اتجهت موجات الإنسان ، صاحبة الحضارة العاطرية ، من بلدان شمال أفريقيا نحو الصحراء ، وانتشرت شمال الصحراء . واستقر أخيراً العاطري في المستوى الثالث على ضفاف البحيرات الجنوبية ووصل إلى المرحلة النهائية السابقة على العصر الحجري الحديث[14].ويعتمد هوكو في هذا الافتراض على التشابه الكبير بين الأدوات النهائية في موقعي مغارة العالية بطنجة في المغرب ودار السلطان قرب الرباط فات الرسوبيةضاً ، العائدين إلى حوالي 25000 سنة ق.م من جهة وأدوات المستوى الثالث على ضفاف البحيرات الجنوبية بالصحراء وعدم وجود بها صناعة ما قبل تاريخية أخرى بين الحضارة العاطرية والعصر الحجري الحديث من جهة أخرى.
وتتميز أدوات الصناعة العاطرية بكونها أدوات حجرية خاصة نابعة من تقنية صناعة ذات الوجهين التي استخرج منها رؤوس السهام والنصال الطويلة والمكاشط وأدوات مذنبة على شكل رأس يسهل استعمالها .
وقد عثر على إنسان صانع هذه الحضارة في مواقع متعددة في المغرب منها كهف دار السلطان سنة 1975 وكهف تمارة في نفس السنة كذلك. ويبدو من خلال الدراسات الأثرية أن الحضارة العاطرية [15]بدأت منذ حوالي 45000 سنة ق.م . واستمر وجودها إلى حوالي 20000 سنة ق.م لتخلفها الحضارة الوهرانية.
3 ـ 2 ـ 5 الحضارة الوهرانية أو الايبيروموروسية : إلى وقت قريب كان يعتقد أن هناك فراغ حضاري أو هوة (Hiatus ) اركيولوجية تفصل بين الحضارة العاطرية والحضارة الوهرانية . ولكن التنقيبات الأثرية التي أجراها الباحث الفرنسي القس روش (l`Abbe Roche ) في مغارة الحمام بتافوغالت بشرق المغرب ، أثبتت أن المستويين الأثريين 17 و 18 ، من مستويات المغارة والواقعين في أسفل الطبقات الأثرية يمثلان الحضارة العاطرية وبداية الحضارة الوهرانية في المستويات العليا انطلاقاً من المستوى 16 [16] (شكل رقم 3) . وهذا ما يعني عدم وجود أية هوة بين الحضارتين العاطرية والوهرانية وأن هناك استمرارية واتصال بين الحضارتين .وليس من المستبعد أن يكون للحضارة العاطرية أثر في الحضارة الوهرانية.
تتميز الحضارة الوهرانية بأنها حضارة ساحلية تنتشر في شمال أفريقيا من المغرب غرباً إلى ليبيا شرقاً ، عكس الحضارة القفصية التي كانت حضارة داخلية أي قارية . وأول من سماها بالاري (Pallary )[17]الذي أطلق عليها اسم الحضارة الايبيروموروسية معتقداً أنها صناعة قادمة من شبه جزيرة إيبيريا . ولكن اتضح فيما بعد أن هذه الحضارة لا علاقة لها إطلاقاً بإيبيريا وأنها حضارة محلية صرفة ، وأعقب ذلك تحريات ودراسات وحفريات قام بها الباحث الفرنسي قوفري سنة 1932 في مواقع بالجزائر على الخصوص ، جعله يطلق عليها اسم الحضارة الوهرانية[18].
وأهم سمات الحضارة الوهرانية صغر أوداتها الحجرية ، ولا سيما النصال الصغيرة ذات الشكل الهلالي والمكاشط المستديرة وبعض الأدوات المستعملة لسحق الألوان بجانب أدوات من العظام المصقولة المهندمة.
يحدد الباحث الفرنسي القس روس تاريخ هذه الحضارة باستعمال الكربون C 14 (شكل رقم 4) ، ما بين 100 21 = 400 و800 10/400 من الآن [19]. بينما يحدد تاريخها ماكبرني في ليبيا ما بين 14000 ق.م و 10000 ق.م. وهذا يعني أن الحضارة الوهرانية في غرب شمال أفريقيا أقدم منه في شرقها . فهل هذه التقديرات المقارنة تسمح لنا بافتراض الأصل في المغرب ، منها اتجهت بالتدريج إلى الشرق حتى وصلت إلى ليبيا ؟ هذا مع العلم أنه لحد الآن ، لم يعثر على أي شيء يشير إلى وجود هذه الحضارة في الصحراء . فهل هي حضارة مغربية صرفة ولا وجود لها في الصحراء أم أنها توجد بها ولكن معاول المنقبين لم تصل إليها بعد ؟ على كل ، وحسب التحريات والتنقيبات التي أجريت لحد الآن في الصحراء لا تشير إلى وجود هذه الحضارة في الصحراء عكس الحضارة السابقة العاطرية . فهل هي بداية انتقال للعلاقات بين الصحراء وشمال أفريقيا من علاقات عمومية إلى علاقات أفقية ، أي من علاقات شمال ـ جنوب وجنوب ـ شمال إلى علاقات غرب ـ شرق وغرب جنوب شرق . أي أن العلاقات التي كانت صحراوية شمال أفريقية في البداية انتقلت في عهد الحضارة العاطرية إلى علاقات شمال أفريقية صحراوية ثم أصبحت في عهد الحضارة الوهرانية علاقة بين مناطق شمال أفريقية فقط لتضيف فيما بعد ، في عهد الحضارة القفصية بحيث لن تتجاوز بعض المواقع في جنوب تونس وشرق الجزائر .

3 ـ 2 ـ 6 الحضارة القفصية : ويلي من الناحية الكرونولوجية الحضارة الوهرانية ، الحضارة القفصية . وهذه الحضارة بدورها كان قد أطلق عليها في بداية اكتشافها سنة 1909 بالحضارة والصناعة الجيتولية (Industrie getule ) . لكن التشابه بين أدوات هذه الصناعة وأدوات الأدوار الأولى من العصر الحجري القديم الأعلى في أوروبا وخاصة الحضارة الأوريكنسية (Aurignacien ) ، دفع الباحثين إلى المزيد من التحري والتقصي وإعادة النظر في المكتشفات الأثرية ، قام بها كوبير [20] (Gobert ) وقوفري ( Vaufry )[21] .وقد ألقيا أضواء جديدة على الموضوع وخاصة بعد استخراجهم للأدوات الدقيقة باستعمال الغربال مما يوضح أن الإنسان القفصي كان يستعمل أدوات دقيقة شبيهة بالأدوات الميكروليثية التي تميز العصر الحجري الوسيط (Mesolithique ) . مما دفع بكوبير وقوفري إلى إرجاع هذه الصناعة إلى العصر الحجري الوسيط .إذا أضفنا إلى هذا أن مواقعها سطحية والكثير منها على هيئة تلال مكونة من تكديس الرماد وفضلات الطعام التي تركها الإنسان القفصي والمتكونة أساساً من الحلزون ، مما جعل الباحثين يطلقون عليها الرماديات أو الحلزونيات (Les escargotieres ).
ومن ميزات الحضارة القفصية أنها أقل انتشاراً في المكان والزمان ،إذ لم تتجاوز المناطق الداخلية بتونس ، وخاصة جهتي قفصة وتبسة . كما تمتد إلى شرق الجزائر وخاصة جهة سطيف وقسنطينة ولا تتعدى في الغرب جهة تيارت . ولم يعثر على أي أثر لهذه الحضارة لحد الآن في المغرب والصحراء . لكن يبدو أنه عثر على ما يشبه هذه الصناعة في الواحات المصرية وجنوب مصر وشمال السودان .أما من الناحية الزمنية ، فقد أثبتت التحاليل المخبرية باستعمال الكربون C 14 أن الحضارة القفصية ظهرت بعد الحضارة الوهرانية ولم تعمر إلا مدة قصيرة نسبياً تتراوح ما بين منتصف الألف السابع والألف الرابع قبل الميلاد (6450 ق.م + 400 – 3050 ق.م + 100 )[22].

3 ـ 3 تربية الماشية والزراعة ، كان إلى وقت قريب يربط اكتشاف الزراعة ودخول المغرب العصور التاريخية بقدوم الفينيقيين ؛ إلا أن الأبحاث الأثرية الأخيرة والدراسات المنصبة على هذين الموضوعين أكدت أن ممارسة تربية الماشية والزراعة كان معروفاً لدى سكان شمال أفريقيا ، وربما لدى أبناء الصحراء كذلك ، منذ فترات قديمة.
فهل يمكن تحديد تاريخ ظهور الزراعة في بلدان شمال أفريقيا والصحراء وما هي الدلائل أو المؤشرات التي تدل على وجودها ؟
إن أول صعوبة تعترضنا تتمثل في عدم توفرنا على مادة علمية كافية لمعالجة أصول الزراعة ، هذا فضلاً على أن ما هو متوفر كتبه أغلبه أجانب انطلاقاً من أفكار مسبقة ترتكز على أن كل الإبداعات الحضارية التي عرفتها شمال أفريقيا جاءتها من الخارج . بل وهناك من هؤلاء الباحثين من يرى بما أن الزراعة مرتبطة بالعصر الحجري الحديث ، وبما أننا لا نعرف جيداً متى بدأ هذه العصر ومتى انتهى [23] فإن هذا يطرح صعوبات كبيرة في التعرف على أصول الزراعة فيها [24] ويذهب كامبس (Camps ) بعيداً إلى حد أنه يذكر بما أن ممارسة الزراعة تعتبر من أهم سمات العصر الحجري الحديث التي همت الشرق الأدنى وأوروبا فإنه لا يمكن الأخذ من معرفة منطقة شمال أفريقيا [25]. هذه بعض أمثلة من مواقف الباحثين الأجانب من معرفة منطقة شمال أفريقيا بالزراعة ، فهل يمكن اعتبارها أحكاماً نهائياً ؟ وكيف يعقل أن تعرف جهة في شمال أفريقيا ، وهي مصر ، الزراعة ولا تعرفها جهات قريبة من نفس المنطقة؟
لذلك لفتح المزيد من الآفاق حول هذا الموضوع يبدو أنه من الأفضل العودة إلى دراسة بعض المستخرجات الأثرية التي تم العثور عليها في بعض المواقع التي يبدو أن لها علاقة بالعصر الحجري الحديث وبإرهاصات الزراعة . من هذه المستخرجات مستخرجات مواقع الحضارة الوهرانية والحضارة القفصية والريف الشرقي .

ففيما يتعلق بالحضارة الوهرانية فقد تم العثور على الكرات الحجرية المثقوبة (Les boules de pierre perforees ) الصغيرة الحجم التي تستعمل كثقالة (poids ) للعصا الحفارة (Le baton a Fouir ) في موقعين وهرانيين بالجزائر تمراحت ورأس سيكيلي [26]. ويتحدث كامبس عن هذه الأداة قائلاً :” إن هذه الأداة جد معروفة بأفريقيا وخصوصاً عند شعب البوشمن وأيضاً بإثيوبيا وأنها تستعمل لغرض تهيئة الأرض وتنعيمها لدى الذين يزاولون زراعة فقيرة [27].
أما بالنسبة للحضارة القفصية ، فقد عثر في بعض طبقاتها الأثرية على نوع من المناجل (Les faucilles ) والكرات الحجرية المثقوبة (Les boules de pierre perfor – ees ) والمدقات (Les molettes ) وأداة الحصاد ( le lustre des moissons )[28].ومع كل هذا ، فإن كامبس يتحفظ بخصوص الأدوات القفصية التي يبدو أن لها علاقة بالزراعة ويؤكد على عدم وجود زراعة لدى القفصيين [29]، مشيراً في نفس الوقت إلى أن أول أداة يمكن ربطها بالزراعة هي الشفرة (La lame ) ، والتي عادة ما تعرف بأداة الحصاد (le lustre des moissons )، والتي استخرجت من بعض الطبقات الأثرية القفصية . ومع ذلك فإن كامبس ، ورغم تأكيده بارتباط أداة الحصاد هذه بالزراعة إلا أنه يقول بأنه لا يجب الاعتقاد بأن أداة الحصاد هذه قد استعملت في الزراعة . بل يمكن أن يكون قد استخدمت في قطع سيقان نباتات غير صالحة للأكل ، ولكن لها منافع كثيرة ، كالقصب الذي كان يستعمل كثيراً في صنع الفخاخ [30].
وكأني بكامبس يعمل ما في وسعه من أجل نفي وجود أي إسهام حضاري لأبناء هذه المنطقة ، رغم وجود بعض المؤشرات الموحية بذلك .فوجود الأدوات الزراعية في بعض المواقع الأثرية هي ليست دليلاً كافياً ، في نظر كامبس ، بل يمكن اعتبارها محاولة التوجه نحو زراعية فعلية . وبما أن التحديد الزمني لرماديات الحضارة القفصية تتزامن والعصر الحجري الحديث في البحر الأبيض المتوسط ، فإن كامبس ، يرجح أن القفصيين يمكن أن يكونوا قد مارسوا القطف بطريقة انتقائية مكنتهم من حفظ ما جمعوه . ويمكن اعتبار هذه العملية ، حسب كامبس دائماً ، أو خطوة نحو زراعة حقيقية [31] .
والجدير بالإشارة هنا ، أن الباحث ريكاس تحدث عن نوع من المعاول (Pics ) عثر عليها جنوب قسنطينة بالجزائر ، أطلق عليها اسم المحروكاتي [32] الذي يظهر أن له ارتباط وثيق بالزراعة ، هو نوع من المعاول الصوانية المنحوتة وغير المصقولة . ويفترض ريكاس أن هذه الصناعة ذات أصول أفريقية وأن تأثيرها وصل إلى أوربا بطرق يجهلها . وقد وجدت هذه الأداة الزراعية أيضاً في جهة الحوز مما جعل الباحث رودريك (Rodrigue ) يرجح أن هذه الأداة استعملت كأداة للحرث؛وهذا يعني قيام الزراعة بالمغرب قبل ظهور المحراث [33] .

ومن المؤشرات الأخرى التي تميل كفة معروفة إنسان العصر الحجري الحديث في شمال أفريقيا للزراعة وممارسته لها ، هو ما استخرجته البعثة الأثرية العلمية المغربية الألمانية التي نقبت في شرق جبال الريف بالمغرب وأقامت معرضاً لمستخرجاتها الأثرية بالمتحف الأثري بالرباط من 6 يونيو 1988 أثبتت من خلاله ظهور الفلاحين الأوائل بهذه الجهة منذ حوالي 9000 سنة بجانب مربي الماشية والصناع الأوائل للفخار . وفي حوار مع الباحثين المغاربة المشاركين في هذه البعثة العلمية أشار إلى عثوره على حيوان يبدو أنه مستأنس في موقع إيفري الباورد قرب قرية صاكة بإقليم الناظور.
وإذا أضفنا إلى هذه المؤشرات الواضحة ، النقوش والرسوم الصخرية الموجودة في جبال الأطلس وجنوب المغرب والجزائر وليبيا ، وفي الصحراء الكبرى ؛ التي تجسد مشاهد من أنشطة سكان هذه المناطق ومن ضمنها نقوش خاصة بعملية الحرث أشهرها نقش غريب ايكيس الذي درسه مالوم (Malhomme ) ونشره في مجلة ” ليبيكا ” سنة 1953[34] .

ويبدو أن الصحراء عرفت الزراعة منذ فترات قديمة ، ومما يؤكد ذلك ، العثور على غبار الطلع في موقعي منيات وأمكني بالصحراء الجزائرية . وقد تم التحديد التاريخي لزمن بعض الأدوات الحجرية بغبار الطلع لبعض المزروعات في موقع منيات بـ 3450 ق.م . أما موقع أمكني فقد تم العثور فيه على الفخار وقطعتي رحى وعشر مدقات (Molettes ) بجانب غبار الطلع. وهذا ما جعل كامبس يغير موقفه ويؤيد إمكانية ممارسة الزراعة في أمكني بالألف الثامن ق.م[35].
وعليه ، يبدو من خلال ما تقدم ، أن الزراعة عرفتها المناطق الصحراوية ومناطق شمال أفريقيا في وقت متقارب تقريباً نظراً لعثور الباحثين على بعض الأدوات الزراعية في هذه المناطق كلها ، مما يؤكد تشابه التطور في كل من الصحراء وشمال أفريقيا . وهذا يعني وجود عناصر ثقافية مشتركة بين الصحراء وشمال أفريقيا.
ومع ذلك ، فإن هذه الافتراضات ليست نهائية ؛ أن تسمح الدراسات والأبحاث الأثرية الجارية حول هذا الموضوع في عدد من الجهات في شمال أفريقيا والصحراء على كشف النقاب عن حقبة مهمة من حقب تاريخ العلاقات بين شمال أفريقيا والصحراء.
من خلال النماذج المقدمة يتضح أن الصحراء وشمال أفريقيا كانت تربطهما علاقات مسترسلة طيلة عصور ما قبل التاريخ ، تساير الظروف المناخية والتغيرات التي تعرفها ، مما جعل الإنتاج الحضاري في المنطقتين يكون متشابهاً فيغالب الأحيان سواء كان مصدره الصحراء أو شمال أفريقيا.

>دعوة من الدكتور فتحي بوزخار – "إطلاق سراح أبنائي مادغيس ومازيغ"

9 Feb

>


أخوتي أخواتي الأعزاء
السلام عليكم،،،
أحيطكم علماً بأنه قد تم اعتقال أبنائي مادغيس ومازيغ من قبل جهاز الأمن الخارجي بتاريخ 14-12-2010 على خلفية اهتمامهما بالثقافة الأمازيغية وتواصلهما مع أكاديميين في التخصص بالإضافة إلى مقالة موقعة باسم أبني مادغيس عن تاريخ اليهود بقبيلتنا آت أمعان “المعانيين” بمنطقة يفرن.
للأسف تم مصادرة جميع كتبهم التاريخية والأمازيغية، والمخطوطات، والأقراص المدمجة للأغاني الأمازيغية، إضافة إلى التحف، وكذلك طبلة “دربوكة” بناتي، التي نقشت عليها الأحرف الليبية القديمة “التيفيناغ”. كما وتم مصادرة ما وقع على أيديهم من أجهزة حاسوب، هواتف نقالة، آلات تصوير رقمية، ومحفظاتهما وما بها من نقود، وكذلك جوازات سفرهما. لقد تعرضا أيضاً أبنائي للحبس ألإنفرادي لأكثر من شهر والإهانة بالسب والشتم والبصق على الوجه بل والضرب والتهديد بالقتل من قبل ضباط حاقدين على الثقافة الأمازيغية قبل إحالتهما إلى سجن الجديده.
لا أتوقع بأن هناك من يتفق مع هذه التصرفات غير المسئولة ونحن نعيش الحياة المعاصرة التي حررت المعلومات من ربق العبودية للأمن ومن التواصل مع الأكاديميين في عالم الانترنت خدمة للعلم والمعرفة.
أننا نعتقد بأن 90% من أصول الليبيين أمازيغية مع أن الجميع يتكلم العربية ولم يحافظ على اللغة الأمازيغية إلا حوالي 15% منهم. كما وأن الديانة اليهودية كانت ديانة أجدادنا، قبل الإسلام، وكان اليهود جزء من نسيج المجتمع الليبي في الماضي.

أرجو من حضرتكم التكرم بقراءة النداء العاجل، على الرابط:

 http://ua.amnesty.ch/urgent-actions/2011/02/019-11، لمنظمة العفو الدولية والتي تدعوكم فيه لتوجيه رسائل، بهدف إخلاء سبيل أولادي، إلى الأخ/ أمين “وزير” العدل ، والأخ/ المدير التنفيذي لمؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية، وتحويل صور إلى الهيئات الدبلوماسية ذات العلاقة.

أشكركم سلفاً على حسن تعاونكم…
أ.د. فتحي سالم أبوزخار
tawalt.com


URGENT ACTION
libyan prisoner tortured
Two brothers, who may be prisoners of conscience held solely for their interest in Amazigh culture, were arrested on 16 December in Tripoli. One has reported being tortured by the Libyan security forces in detention. Both are at risk of torture in Jdaida Prison where they are held.
Twin brothers Mazigh and Madghis Bouzakhar were arrested on 16 December at their home in Tripoli, allegedly by members of the External Security Agency (ESA), an intelligence body. They were reportedly accused of “spying and collaborating with Israel and Zionism”. Amnesty International believes their arrest was due to their membership of the World Amazigh Congress and other activities perceived to promote Amazigh (Berber) culture. They are currently held in Jdaida Prison following their transfer there on 27 January. Madghis Bouzakhar reported to his father that he had been kept in solitary confinement and had been subjected to torture and other ill-treatment while being interrogated by ESA agents during a period of almost a month. He described being subjected to falaqa, whereby the soles of the feet are beaten, and being beaten with sticks and gun butts. He was interrogated about an article he had written about the Amazigh and Jewish communities in Libya. Mazigh Bouzakhar was reportedly verbally abused during detention. Their father has said he fears for the safety of his sons due to the grave accusations they face.
The lawyer appointed to represent the brothers made a formal inquiry about them to the authorities on 19 January. He was told that they were under the supervision of the Department of Public Prosecution. However, on 23 January, that Department notified the lawyer that the brothers had been referred to the State Security Prosecution on 27 December. This contradicts a statement published by the ESA on its website on 12 January, which stated that they had been held under the supervision of the Public Prosecution since their arrest on suspicion of “working and collaborating with foreign intelligence”. Their father has been able to see them twice at an unknown location in the presence of security agents, and a third time on 31 January in Jdaida Prison, following their transfer. The lawyer appointed to represent them has reportedly not been permitted access to them or their case file.
 LIBYAN PRISONER TORTURED
Additional Information
Mazigh and Madghis Bouzakhar were held in the ESA for more than a month, from 16 December to 27 January, in breach of Libyan law. Article 26 of the Code of Criminal Procedures requires law enforcement officers to refer suspects to the Department of Public Prosecutions within 48 hours of arrest except in cases involving detainees suspected of committing offences such as threatening state security, who can be held for up to seven days before being charged or released. Article 26 further stipulates that the Department of Public Prosecution must question an accused within 24 hours and then either issue an order for continued detention or release.
Amnesty International is concerned that the arrests and continuous detention of the two men might be a result of the Libyan authorities’ intolerance to activities perceived as promoting the Amazigh (Berber) cultural or linguistic heritage. As a state party to the International Covenant on Civil and Political Rights, the International Convention on the Elimination of All Forms of Racial Discrimination and the International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights, Libya is obliged to guarantee that all people are protected from discrimination on any grounds, including ethnic, linguistic or cultural ones, and have the right to take part in cultural life.
The Libyan authorities claimed in their submission to the Committee on the Elimination of Racial Discrimination in 2003 that all Libyans are of a “common racial origin, all profess Islam and speak Arabic”. The state report added: “The fact that all Libyan citizens share a common origin, religion and language has undoubtedly been a determining factor in the absence of racial discrimination in the country”. Libyan NGOs based abroad, such as the Libyan Working Group, the Tabu Front for the Salvation of Libya and the World Amazigh Congress, disagree with this assessment and argue that the Libyan Nationality Code is inherently discriminatory in defining citizenship as “Arab”. Such groups also complain that the Amazigh language and culture is not recognized and that obstacles prevent the Amazigh community from preserving their language and culture. For example, Law No. 24 of 1369 prohibits the usage of languages other than Arabic in publications, official documents, public spaces and private enterprises. Additionally, Article 3 of Law No. 24 prohibits the use of “non-Arab, non-Muslim names” as determined by the General People’s Committee (equivalent to the prime minister’s office). The law provides no opportunity for parents to appeal against the decision of the General People’s Committee.
The Libyan authorities also seem to show little tolerance towards Amazigh cultural rights activists, even those based abroad. In November 2009, the Libyan authorities deported Khaled Zerari, deputy head of the Word Amazigh Congress, from Libya upon his arrival from Morocco to attend the funeral of a well known Amazigh figure in Libya. After questioning him for several hours at the airport, Libyan law enforcement officials forced him to board a flight to Rome, from where he returned to Morocco. No official reason for the deportation was provided, but it is believed that he was prevented from entering Libya due to his activism for the rights of the Amazigh people in North Africa.
UA: 19/11 Index: MDE 19/002/2011 Issue Date: 04 February 2011

>نحو فهم التقويم الأمازيغي

19 Jan

>

أخذت السنة الأمازيغية تأخذ حيزا من الاعلام خاصة الأوساط الأمازيغية الناشطة، كما اصبحت ورقة لصالح الأمازيغية باعتبارها مناسبة تمكن النشطاء من التكتل لأجل تمرير مطالب تتعلق بالحقوق الأمازيغية، أما الاحتفالات التقليدية فتبقى أسرية متوارثة في عدة مناطق باعتبار تقليدا فلاحيا. اما رمزيا فقد رُبطت بتاريخ الأمازيغ في مصر بعد تمكنهم من حكم مصر. لكن ماذا نعرف عن التقويم الأمازيغي بشكل عام؟

اعتقد ان الاحتفال بالسنة الأمازيغية لا يرتبط بحدث اعتلاء شيشنق لعرش مصر، وأنه احتفال فلاحي. ولا شك ان الطرح الأول يبدو مهيبا والثاني قرويا بسيطا، فالقتال والحكم يرتبط بالبطولة والرجولة أما الزراعة والفلاحة فيرتبط بالقرية وغياب الحضارة المدنية. غير أن هذا لا ينفي أن الزراعة هي أساس الحضارة قروية أو مدينية كانت.
فأعداء الهوية الأمازيغية سيستعملون عقولهم الملتهبة بشكل انتقائي ليقولوا أن كون التقويم الأمازيغي هو تقويم فلاحي وليس امازيغيا، في حين أنه فلاحي وأمازيغي في آن واحد. فالتقويم يمكن ان يتخذ عدة اشكال وعدة أسس، كما عرف تطورات صاحبت تطور الجماعة، وقد يكون قمريا مثل التقويم العربي وهذا التقويم لا يتحدد بالسنة في الأصل، لأن نظام السنة المبنية على اثني عشر شهرا يعتمد على الشمس. فاذا كان التقويم العربي ينبني على اثني عشر شهرا، فهذا يدل على اتجاه نحو مزاوجة التقويم القمري بالشمسي مثلما هو الشأن عند العبرانيين. كما أن التقويم العربي يبدو أنه كان يتشكل من عشرة أشهر لأنها تشكل عدد الأصابع وبالتالي سهولة حسابها، وأن الأشهر المضافة هي التي سميت الثانية وهي ربيع الثاني وجمادى الثانية. أما تسميتها بالهجرية فلا تعني ابتكارها مع الهجرة وإنما حددت السنة صفر على السنة الهجرية، فمن المعلوم أن العرب كانوا يحددون العام بواقعة حدثت فيه. واعتقد ان عدم تطور التقويم العربي من تقويم قمري إلى شمسي مرده عدم اهتمام العرب بالزراعة لطبيعة بيئتهم الصحراوية واعتمادهم على حياة الرعي البدوي والتجارة وربما الغزوات على القبائل الأخرى.

ولعل التقويم الروماني يقدم ايضا فكرة اوضح عن طبيعة التقويم فالرومان يعتقدون ان بداية تقويمهم ترجع لتاريخ تأسيس قرية روما مع زعيمهم الخرافي روميلوس، وأن أشهرهم كانت عشرا في البدء، وهذا لا يعني بداية تقويمهم مع روميلوس وانما تم وضع نقطة الصفر على تلك السنة المفترضة مثلما تم وضع النقطة الصفر على سنة بدء الكون عند اليهود وهي ولا شك عقائد لا تلزمنا.
حتى التقويم الميلادي المبني على التقويم الروماني لم يضع السنة صفر على سنة ميلاد المسيح إلا بعد قرون، أما التقويم القبطي فهو يبدو متأخرا عن التقويم الميلادي في حين أنه وريث أقدم التقاويم التي تعود إلى غابر الأزمان. ولعله نموذج لتقسيم السنة لاغراض زراعية، فأن كان تقسيم السنة الى فصول يعتمد على التساقطات المطرية والتغيرات المناخية، فقد انبنى التقويم المصري على ثلاثة فصول بحسب فيضانات النيل شريان حياة الزراعة عند المصريين، أما تقويم حضارة المايا القبل-امريكية التي يبدو أنها عرفت تطورا مهما رائدا فتبنت اكثر من تقويم للطقوس الدينية والحياة العامة، كما يبدوا أنها تبنت نظام العشرين الذي يعتمد على عدد اصابع اليدين والرجلين.
مما سبق يمكن ان نقترح أن التقويم الأمازيغي يجب ان يكون اقدم من تاريخ شيشنق الفرعون الأمازيغي. وان يبدأ مع الزراعة أو قبلها مع طقوس دينية. فاذا كنا لا نملك داعيا للحفاظ على الاحتمال الثاني، فان الاحتمال الأول يبدو واقعيا وضروريا لتنظيم الزراعة. ولعل العقول الملتهبة المعادية للحضارة الأمازيغية سيشعلون سهام النقد ويذكروننا بأن الفينيقيون هم من علموا القردة الأمازيغ اساليب الزراعة والكتابة والتعدين والتدين والحرب والمدنية… الخ. فأننا نقول أن تقهقر بعض المجتمعات الأمازيغية لمستوى القردة هو ما يفرز هذه الأفكار، لأن الأمازيغ كانوا على درجة متقدمة من التطور في الأيام الخوالي، فهاهو المؤرخ الفرنسي غوتييه يقول أن الأمازيغ لم ينتظروا ابناء سوريا (الفينيقيين) ليعلومهم الزراعة.
لكن السؤال المثير هو أين يمكن أن نجد بقايا التقويم الأمازيغي؟ وما هي علاقة التقويم الأمازيغي الحالي بالتقويم المفترض؟

بداية يجب أن نعلم التقويم على شكله الحالي هو صورة تكاد تنطبق مع التقويم الروماني المسمى ايضا التقويم الجولياني نسبة ليوليوس قيصر الذي عدل ليصبح التقويم العالمي المعروف بالميلادي عندنا وبشكل أصح الغريغوري. فالشهور الأمازيغية هي نفسها الأشهر الرومانية مع اختلافات لطبيعة اللغة الأمازيغية، وشخصيا استبعد أن يكون اسم ين+يار اسما امازيغيا، بل لابد أنه تحريف بسيط لاسم يناير (ينيواريوس) نسبة للأله الروماني يانوس. فهذه التركيبة تختلف مع بنية الأمازيغية، فعلى افتراض أنها تتشكل من يان أي واحد ويار أو أيور أي القمر فإن التركيبة غريبة عن الأمازيغية، ولا وجود لتركيبة مشابهة. والأصح أن يقال أيور أمزوار أو ما شابهها كل حسب لهجته. لأنه لا يصح أن يقال واحد شهر وإنما الشهر الأول.

غير أن هذا لا ينفي أمازيغية الاحتفالات التي ترافقه، فتلك الاحتفالات لا بد أن تكون قديمة جدا، تعود لعصور كانت فيها عناصر الطبيعة شخصيات مفعمة بالحياة ويتابعها البشر ولا أدل على ذلك من قصة العجوزة التي استخفت بالشهر يناير فاطلق الأخير حملة ديبلوماسية كللت باستعارة يوم آخر من فورار (شهر فبراير) فأنزل بها عقابه المهيب. اذ نلاحظ هنا بقايا قبل اسلامية تتقارب وعقائد الرومان القدماء، لأن يانوس أو يناير و فبروس أو فبراير هي اسماء آلهة مجدها الرومان، وقد تمت اضافتها في وقت لاحق لتقويمهم المتشكل أصلا من عشرة أشهر، ولعل اسطورة العجوزة تحاول تفسير قصر الشهر فبراير. والسؤال هو هل تم نقل الشخصيات الأصلية إلى الأطار الروماني الحديث في حين كان لها أسماء أخرى؟
ما يبدو لي واضحا هو اشكال الاحتفال ومعتقداته الشعبية المنتشرة في شمال افريقيا في مناطق متعددة دون أن تكون عامة تصطبغ بهوية محلية أمازيغية عريقية، فمثلا وجبة الكسكس التي تحظى بنوع من الشحنة الدينية والمتداولة في احتفالات السنة الأمازيغية هي وجبة أمازيغية أصيلة، وهامشيا قد يتساءل القارئ المهتم عن الشحنة الدينية المرتبطة بوجبة الكسكس واعتقادي هذا متولد من انتشاره في أيام الجمعة عقب صلاة الجمعة ووجبات الجنازة والأربعين يوما بعدها، بل حتى دخولها في تصرفات سحرية رهيبة كتحضير الكسكس بيد الميت لاستعماله لأغراض السحر.
الى هنا نكون قد نفينا الشكل الأمازيغي للشهور، وتأكيدا على أصالة احتفالاته. كما نفينا أن يفهم من التأريخ اعتلاء الفرعون الأمازيغي شيشنق لحكم مصر اعتمادا على بقايا المعتقدات الشعبية التي تصف ليلة الاحتفال به بيوم الفرعون، والتي تذكر غرق الفرعون، مما جعل الأمازيغ يربطون بين هاته الأسطورة وحكم الأمازيغ لمصر. ولعل وضع النقطة الصفر على سنة الحكم الأمازيغي في مصر له ما يبرره باعتباره أول شخصية أمازيغية مرموقة، بالرغم من اعتقاد البعض بحكم الأمازيغ لمصر في عصور سابقة دون أدلة كافية.

إذا كان الاحتفال بالسنة الأمازيغية أصيلا عند الأمازيغ والتقويم رومانيا وأن التطور الى المجتمع الزراعي يتطلب تقويما يشمل الفصول أو مواسم الحرث والحصاد، فأنه يجعلنا نتصور وجود تقويم شمسي مفقود مثلما فقدت أيام الشهور والأيام، وقد أصاب من باب المصادفة من اعتقد أن الشهر يسمى أيور أي القمر بالأمازيغية كما رأينا مع التركيب المفترض ليناير. غير أن أيور/القمر مذكر أما الشهر فهو مؤنث بالأمازيغية ويسمى تايورت كما أوضح اللساني الهولندي (متخصص في العربية والأمازيغية)، وهذا يعني أن التقويم الأمازيغي بني أساسا على التقويم القمري، وهذا النوع يكون مفيدا للطقوس الدينية ولا يفيد مواسم الزراعة. وبما أن القمر كان إلاها عند الأمازيغ مثلما أوضح غابرييل كامس وأكد ابن خلدون. يسميه الأمازيغ أيور، كما كانت الشمس ربة عندهم مثلما أوضح المؤرخ الأغريقي هيرودوت في معرض حديثه عن تقديم الأمازيغ القدماء للأضاحي لها إلى جانب الربة آثينا التي أخذها الأغريق عنهم على حد قول هيرودوت، فإن ذلك يبين لنا اهتام الأمازيغ بالظواهر الفلكية، كيف لا وهي آلهته التي يتقرب إليها؟

وبالاعتماد على هيرودوت نفسه نفهم ايضا أن الجبل أطلس يعتبر اعمدة السماء التي تحملها عند الأمازيغ وهذا يعني أن اطلس المعبود الأغريقي الذي كان متقدما في علم الفلك هو الجبل نفسه، وما يؤيد اصله الأمازيغي هو أن المعبود الأغريقي هرقل التقى بأطلس في شمال افريقيا كما قابل بطل الأمازيغ أنتايوس وقضى عليه، وانتايويس هذا ابن بوسيدون الذي عبده الأمازيغ والأغريق وعدد من الشعوب من أصل أمازيغي واسمه أمازيغي قديم ايضا بالاعتماد على كتب هيرودوت.
إلى هنا نجد أن العملاق أطلس والربة آثينا التي اعطت اسمها للدولة آثينا اسمها بعد تفوقها على بوسيدون وأن الأخير نفسه آلهة مأخوذة الأمازيغ حسب هيرودوت على الأقل، والمعلوم أن بوسيدون شقيق أكبر آلهة الأغريق زيوس. أكثر من ذلك نظر الأغريق الى الههم زيوس على أنه تجسيد للرب آمون الأمازيغي (وليس المصري كما يحلو لبهلوانات التأريخ تصويره)، ولعل زيارة الأكسندر المقدوني (تسميه بعض المصادر العربية الكلاسيكية بذي القرنين في إشارة الى شخصية قرآنية) لمعبد آمون ليسأله ان كان بالفعل ابنا لزيوس تجسيد للتأثير الأمازيغي الديني على الأغريق، وآمون الأله الكبش هو السبب في جعل الأسكندر يصور بقرنين على صورة أبيه آمون، وسبب تسميته إذن بذي القرنين.

قد تكون هذه الجولة الميثولوجية كلاما فارغا ونحن نتحدث عن التقويم الأمازيغي، وقد تعطي صورة مبالغا فيها عن الريادة الدينية في البحر الأبيض المتوسط لأن هيرودوت نفسه يقرر أن أغلب آلهة الأغريق من أصل مصري. إلا أن هذا يفيد نوعا ما في إعادة تقييم الثقافة الأمازيغية مع تجاهل أصحاب التفكير البسيط الذين سيلعنون الأوثان والأصنام كعادتهم دون فهم جوهري لها.
وبشكل أكثر واقعية، فنحن لا نتوقع أن يمجد شعب ما إله الكتابة على سبيل المثال دون يعرف ذاك الشعب الكتابة نفسها، ومن ثم كانت خصائص الأرباب خصائص للشعوب التي تمجدها. فجين هريسون في معرض اثباتها للأصل الليبي (كلمة تعني الأمازيغ في عصر الأغريق، وهي مأخوذة من قبيلة لواتا على ما رجح الأستاذ أوريك باتس) تقول أنه اذا لم يوجد إله اسمه بوصيدون (هل من علاقة مع اسردون التي تعني البغل بالأمازيغية؟) فأن عباده وجدوا بشكل فعلي، وأن خصائصه باعتباره إلها فرسا وبحارا، لم يوجد إلا عند الليبيين مذكرة أن الأمازيغ علموا الاغريق كيف يقرنون أربعة أحصنة تجر العربة.
اذن فلن نكون شوفينيين لو افترضنا على سبيل الاستئناس أن عباد أطلس الأمازيغ كانوا ايضا على درجة من علوم الفلك.

يعتبر البروفيسور خوسي باريوس غارسيا استاذ الرياضيات بجامعة لاغونا الكنارية حجر الزاوية في فهم علمي للتقويم الأمازيغي، اذ يشير إلى أن جزر الكناري (الخالدات) المعزولة عن الأمازيغ المغاربة عرفت تقويما متطورا في تقسيم السنة إلى اشهر قمرية تشكل سنة شمسية في مجموعها من مجموع الأشهر الأثني عشر شهرا ولأجل ضبط الشهور والفصول والانقلاب الصيفي والشتوي سواء لتنظيم الزراعة أو الاحتفالات الشعبية، وقد استعملت نظاما يسمونه أشانو أو أكانو التي تعني السنة في شكل لوحة تتكون من مربعات ثلاثة عمودية وأربعة أفقية باللونين الأسود والأحمر مشكلة في مجموعها اثني عشر شهرا، وقد أكد المستعمرون الأوائل وجود تواريخ محددة للاحتفال برأس السنة وذلك بعد أول شهر قمري يليه، والأستاذ المعني قدم هذا البحث في إطار أطروحة ناجحة لنيل الدوكتوراه بجامعة سلمانكا الأسبانية أمام متخصصين وركز على الأصل الأمازيغي لأصحاب ذلك التقويم، وهنا لا يفوتني أن اذكر أن اعداء الحضارة الأمازيغية يشككون بشدة وبغير عقلانية في الأصل الأمازيغي للغوانش سكان الجزر الأصليين. وقد تساءل الباحث عن أصل تلك المعرفة الرياضية والفلكية المتطورة.
من الراجح أن اسم كناريا اخذ اسمه من قبيلة أمازيغية تنحذر من جبال الأطلس، وبالتالي يمكن ان نفترض أن سكان أطلس نقلوا معارفهم الفلكية معهم إلى تلك الجزر كما أخذوا كتابتهم الأمازيغية المعروفة حاليا باسم تيفيناغ، فعلى خلاف ما يروج له بعض المثقفين الغربيين ومعادوا الحضارة الأمازيغية ترجع كتابة الأمازيغ الى فترة تسبق الملك النوميدي الأمازيغي بفترة طويلة، في حين يرى بعض الحمقى الأسلامويين أن تلك الكتابة خربشة رعاع لأنهم لا يفهمون سوى لغة العرق الشريف واللغة الشريفة، ففي الأطلس نجد رسما لرجل مزين بالتيفيناغ يرجع على أقل تقدير إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وليس من صدقات المخزن كما يلمح بعض المتأثرين بعصور تشويه تاريخنا إبان تأميم التاريخ والمواد الدراسية كما هو الشأن في ابحاث الكتاب الأخضر الليبي وكاتبه الذي قال أن الأمازيغ عرب وأنهم منقرضون.
مثلما تقهقرت بعض العقائد القبل-اسلامية لتتخذ اشكالا اسلامية لتحتمي بها وتضمن استمرارية اطول كالأضرحة المقدسة وطقوس الاستمطار المعروفة بتاغنجا (الملعقة بالأمازيغية) التي هي امتداد لطقوس عبادة الأله المطر (أنزار) التي احتفظ القبائليون كعادتهم باسطورته الجميلة مع حبيبته قوس قزح (او تيسليت ن أنزار أو بالعربية المغربية: عروسة الشتى، التي هي ترجمة حرفية لتيسليت ن أنزار)، هكذا تحول الاحتفال الكناري-الأمازيغي الى احتفال يتقمص شخصية مسيحية ليضمن استمراريته، وفي نظري فإن اجمل من ذلك هو احياء الكناريين الحاليين لتلك الاحتفالات بصبغة أمازيغية، وقد رأيت صورا لمدونين كناريين يزينوها بحروف التيفيناغ كما رأيت صورا لأشخاص يرتدون ازياء من جلود الخراف في مشهد يشبه احتفالات بويلاماون (بوجلود)، وهنا اتساءل: هل نزح تقليدي بوجلود وعاشوراء (اباينو أو شعالة عند المغاربة) بالفعل من من طقوس ترتبط باحتفالات راس السنة عند الأمازيغ إلى احتفالات شبه اسلامية لتنجو بجلدها من الاندثار كما اسلفنا؟

يتفاءل المؤرخ الفرنسي جين سيرفييه حول اعادة اكتشاف وتركيب التقويم الأمازيغي القديمي، لاعتبارات منها ميزة الجمود الحضاري عند المغاربة مقارنة بشمال البحر الأبيض المتوسط لكنه متسرع في استنتاجاته، فهو يعتقد أن التقويم الأمازيغي الشائع منقول عن المصريين عبر العرب وليس مأخوذا عن الرومان، وهي نظرية لم تلقى أي مصداقية، لأنها لا تجيب عن عدة نقاط لا داعي للخوض فيها.
لكن هل يمكن اعادة التقويم الأمازيغي عبر ما تبقى من تقاليده؟
يجد البعض أن هناك مساحة لإمكانية ربط احتفال الكناريين (الغوانش) بالتقويم الأمازيغي في بلاد المغارب وذلك عبر خيط تسمية الاحتفال الكناري نفسه. فاسم الاحتفال هو بنيسمر (أو بنيسمت) ما جعل البعض يربط بينه وبين كلمة أمازيغية كما يلي: “ون ازمر” (قلب حروف لها ما يبررها في الإسبانية)، و”ون ازمر” تعني بشكل أو آخر “ذي الخروف”. وهو ما يحتمل ربطه باسم شهر أمازيغي ذكر في مصادر عربية تعود للعصر الوسيط والتي يرجح أنها تعود لفترة تسبق الوجود الروماني في بلاد المغارب.

ينقل لنا الأستاذ الهولندي نيكو فانْ دَنْ بوخَرْتْ اسماء الشهور الامازيغية التي ذكرتها مصادر العصر الوسيط بعضها معروف معناها وأخرى بقيت مجهولة فمن بين المعروفة نجد أوزمت يزوارن واوزمت يغوران، وهي تعني على التوالي النعجة الأولى والنعجة (او الخروف) الأخيرة. وأول ما يتبادر لذهني هنا الترابط الممكن بين هذه التسمية وبين تقليد بويلماون (بوجلود) فضلا عن ارتباطه باحتفال بنيسمر الكناري.
وما نلاحظه في الأسماء الثمانية المعروفة من الأثني عشر شهرا أن ستة منها مرتبط بالحيوانات، وهذا التقويم رعوي بامتياز احسب أنه يعود لفترة اعتمد فيها الأمازيغ على الرعي وتدجين المواشي. وطبيعة هذه التسميات تشبه تسميات الشهور الفرعونية، فمن الممكن اذن تكون تلك التسميات إشارة لألهة أمازيغية قديمة، على شاكلة الرب الحامي آمون الذي عبده الأمازيغ باعتباره كبشا، ويفيد مصدر قديم أن الأمازيغ يسمون الكبش أمون (هل من علاقة مع “أميان” أي الجدي)، كما نقل المؤرخون عبادة الأمازيغ للثور (غورزيل).
والملاحظ ايضا ان الاسماء المعروفة تتكون من اشهر زوجية (أولى وأخيرة) مما بعني بشكل او آخر طريقة حساب اشهر مختلفة عند الأمازيغ القدماء. وبما أنها تتكون من اثني عشر شهرا، فهذا يدل على تقسيم شمسي للاشهر، وهو ما يتناسب مع الاقتصاد الزراعي وتدجين المواشي.

ملاحظة:
قد ترد اخطاء او معطيات غير دقيقة في هذا الموضوع، كونه ليس بحثا وانما سرد لما علق بذهني في محاولة لفهم التقويم الأمازيغي، وللمهتم التعمق في المعطيات، فالشبكة العنكبوتية توفر المصادر وان كانت متفرقة وتحتاج للبحث والتدقيق، ولعل أهم ما يمكن البدء به هو الموسوعة الأنجليزية او الفرنسية او الأيطالية الحرة ومراجعة الوصلات الخارجية والمصادر المشار إليها في تلك الصفحات، وبعدها للقارئ استخلاص الخلاصات.

مشاهد:
ئخف أوسقاس – محمد ؤمادي
http://www.dailymotion.com/swf/video/xgjfsf?width=&theme=none&foreground=%23F7FFFD&highlight=%23FFC300&background=%23171D1B&start=&animatedTitle=&iframe=0&additionalInfos=0&autoPlay=0&hideInfos=0

كناريون يحيون احتفال بنيسمر:

روابط ذات صلة:
حاكوزة والسنة الأمازيغية بين الأمس واليوم
التقويم السنوي الأمازيغي :ومرجعية الدلالة التاريخية
التقويم الأمازيغي

التقويم الأمازيغي على موسوعة ويكيبيديا الحرة:
بالأنجليزيةبالفرنسيةبالأيطاليةبالعربية

ابحاث مهمة:
– أطروحة لنيل الدوكتوراة تتمحور حول التقويم الأمازيغي بجزر الكناري/الخالدات (pdf – بالأنجليزية).
– بحث مهمم في معاني الأشهر الأمازيغية الأصيلة (أجزاء فقط – بالأنجليزية).
صور ذات صلة:
صفحة من “يومية” تونسية تشير لرأس السنة الأمازيغية (العجمية):

تابوت الفرعون الأمازيغي شيشنق (شوشنق أو شيشاق…):

(مصدر الصورة:touregypt.net)